تحتفل زكية بعيد الأم الأول في دار العجزة الاسلامية.. هناك لا يفارق لسانها الدعاء لأولادها الأربعة: بنت و3 شباب. تُعدّد أسماءهم معاندة ذاكرة ابنة العقود السبعة في أن لا يفوتها إسم من أحفادها السبعة. "مبسوطة" ولا تفكر بالمغادرة الى العالم الصاخب خارج أسوار المؤسسة، ربما لأنها تعبت من التنقل من منزل ابن الى منزل ابن آخر، ومن ظلم كنة الى ظلم كنة أشد، فكان أن استقر بها المكان في عيد الأم الفائت في المستشفى بعد أن أصيبت بكسور نتيجة انزلاقها ، لتغادر من هناك بواسطة كرسي متحرك الى الدار الذي اختارته بإرادتها كأفضل مكان للشيخوخة.
ولدت زكية في مصر، إلا أنها أحبّت لبنانيا من الجنوب، فكان مثال الزوج المحب والمكافح إلى أن توفي قبل سبع سنوات. تزوج أولادها الشباب ، فطلبت من زوج ابنتها الانتقال للسكن معها من أجل أن لا تبقى وحيدة، فبدأت المعاناة إذ اشترط الزوج الذي "تدلل وتمسكن" أن يدفع كل ولد من أولادها نحو 250 دولار شهريا وإلا "فليأخذوها". وحيال عجز أولادها عن دفع أكثر من الرقم المتفق عليه، وخوفا من جبروته هو الذي لم يكن يوفر ابنتها من التهديد والوعيد، ارتأت في أن تداور في إقامتها بين منازل أولادها الذكور، لينتهي بها الحال في الشارع بعد أن طردتها زوجة ابنها مهددة:"لما ارجع من السوق ما بدي شوفك قدام البيت". تذكر زكية بأنها تفقدت جيبة القميص الذي كانت ترتديه، فلم تجد ما يكفي من المال لانتقالها من الشويفات الى منزل أحد أبنائها في العاصمة، فطلبت من دكان مجاور استعمال الهاتف للاتصال بابنها الذي أقلها، وهناك لم تسلم من كنتها الثانية التي فرضت عليها ظروف حياة صعبة، وبدت العودة الى منزلها الذي تقيم فيه ابنتها مستحيلة بعد أن انضمت "ضرة" ابنتها للسكن معهم بفعل تهديد الزوج بأخذ الأولاد والسفر.
تعترف زكية بعد 67 عاما أمضت معظمها في لبنان بأن المبالغة بطيبة القلب تأخذ الكثير من الأمهات الى التهلكة ، إلا أن الأم لا يمكن إلا أن تكون معطاء، ولأجل سعادة أولادها اختارت التنازل عن منزلها لابنتها وإقناع أولادها بأنها كانت السبب في جميع الخلافات مع زوجاتهم ، إنما لتحفظ الأحفاد وتجنبهم مرارة الانفصال الأسري.
وبعد نحو عام من الاقامة في الدار الذي يجمع نحو 600 مسن نصفهم من النساء، لا تفكر زكية بمغادرة المكان خوفا من أن تلقى نفسها ثانية في الشارع. وإذ تؤكد بأن أولادها يحبونها كثيرا ولا يتأخرون يوما عن زيارتها ولا يقصرون في خدمتها، فإن الضوء المتبقي لها في حياتها هم أحفادها الذين تنتظرهم من ضوء شمس اليوم الموعود الى ضوء شمس الموعد الذي يليه. أما كنائنها فهم بالحقيقة"بدهن دبح"، على حد إقرارها، إلا أنها تترك هذا الحكم دفينا في قلبها من أجل أن يبقى أولادها بعيدا عن دوامة الخلافات العائلية، فيكفي أنهم سعداء وهي من كرسيها المتحرك في الدار تعيش في الماضي الذي فيه ذكريات حلوة مع زوجها إلى أن يقدر الله أمرا كان مفعولا.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.