تتغير ملامح وجه فاطمة لدى الحديث عن "قطعتين من قلبها"، فيشع فخرا "بالكنز" الذي جنته من حياة غرّبتها مرتين، الأولى عن وطنها فلسطين، والثانية عن إبنتيها البعيدتين بحكم السفر.
ترسم ابتسامة عريضة ، مصحوبة بنبرة لهفة واشتياق قائلة : "بنتي الصغيرة حنونة كتير"، لتبدأ بعدها سرد قصتها التي تبدّلت منذ أربعين عاما ، بعد وفاة زوجها خلال الحرب الأهلية في لبنان، والتي كانت نقطة التحول في مصير عائلة لم يّكتب لها أن تعيش تحت سقف واحد.
تستذكر فاطمة 78 عاما حكايتها مع طفلتيها ، هي رحلة أم ، نذرت حياتها لتكون على قدر مسؤولية فرضتها عليها الظروف، وانطلقت في تمهيد طريق المستقبل لطفلة عمرها عام ونصف، وأخرى ولدت بعد أسبوع على رحيل والدها.
نجحت فاطمة" في تأدية رسالة أمومتها، وحتى أبوّتها، وباتت جدّة لتسعة أحفاد في ألمانيا وسويسرا حيث تعيش إبنتيها ، فيما اختارت هي منذ ست سنوات ، أن تمضي بقية أيامها في كنف عائلة "دار العجزة الإسلامية" لتحصل على الرعاية التي تحتاجها.
"هديتي بالحياة بناتي، كل سنة وبتبقوا عيدي"، هكذا اختارت فاطمة معايدة "طفلتيها" بيعد الأم. هما تحتفلان مع أولادهما بالمناسبة ، فيما هي تطفئ شمعة العيد بفرح مع أمهات جمعهم سقف دارالعجزة ، لكنه فرح ينقصه لقاء الأحبة.
جاءت الدمعة التي حبستها فاطمة في عينيها لتروي الحنين إلى لقاء يّطفئ نار غياب، لم يّخفف من لوعته التواصل عبر الهاتف ، لكنها تعود لتؤكد أن "الحنّية هي الأم وهيك بناتي"، مشيرة إلى " أنهما تأتيان لزيارتها عند المجيئ إلى لبنان ولم تقصّران بحقي، و الظروف تحكم علينا جميعا، والأقارب والجيران لم يتركوني ".
تتباهى فاطمة بما حققته كأمّ، وتأمل أن تنجح إبنتيها في تأدية واجباتهما تجاه عائلتيهما، ليكونا كما هي الرمز للأم المعطاءة التي انتصرت بأمومتها على غربة الوطن والقدر .
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.