جورج بكاسيني

22 آذار 2019 | 00:00

كتب جورج بكاسيني

لم نعُد ساحة

من بين الإنجازات التي تحقّقت على مدى السنوات الماضية، ولا تُرى بالعين المجردّة، أن لبنان لم يَعُد ساحة مواجهات أو تصفية حسابات خارجية، كما كانت الحال في زمن الوصاية السورية أو في مرحلة الانقسام اللبناني الحاّد بعد اندحار جيش هذه الوصاية عن لبنان. هذا الانطباع يمكن تلمسّه من الاجواء المحيطة بزيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو لبيروت، التي ورغم الصخب الإعلامي الذي رافقها، ليس متوقعاً أن يكون لها نتائج تعيد الزمن الى الوراء عندما كانت البلاد تهتز بطولها وعرضها عند كل مفترق إقليمي أو دولي، أو زيارة مسؤول أجنبي له صلة بصراعات المنطقة. فصحيح أن الولايات المتحدة الأميركية تخوض حرباً سياسية ودبلوماسية وإقتصادية ضد إيران و"حزب الله" في مشارق العالم ومغاربه. وصحيح أيضاً أن بومبيو سيطلق مواقف عالية السقف في بيروت ضّد الطرفين معاً. لكنه في المقابل سيفصل بين موقف إدراته من الحكومة اللبنانية وبين الموقف من "حزب الله"، كما بدا من زيارة موفده الديبلوماسي ديفيد ساترفيلد لبيروت الأسبوع الفائت. معنى ذلك أن المجتمع الدولي، كما المجتمع العربي، دخلا مرحلة جديدة في التعامل مع لبنان، عنوانها إحترام الشرعية اللبنانية وتوازناتها وسياساتها بعد عودة الحياة إلى مؤسساتها، والإقرار بأن النظام اللبناني غيرقابل للحياة إلا عندما يكون نظاماً مركباً ليس بين طوائفه وحسب، وإنما بين السياسات المتعددّة في داخل كل منها أيضاً. وهذا يعود إلى سببين لبنانيين رئيسيين: الأول: التفاهمات الداخلية التي أبرمت على مدى السنوات القليلة الماضية بدءاً من سياسة "ربط النزاع" مروراً بتفاهم معراب وصولاً إلى التسوية الرئاسية، والتي شكلّت قاعدة لتوازن لبناني عادل، قد يهّتز من وقت إلى آخر لكنه ثابت حتى الآن. والثاني: أن هذا التوازن الداخلي تمكّن من رسم سياسة خارجية متوازنة أيضاً مع إجماع التمسك بسياسة "النأي بالنفس"، التي تهتز هي الأخرى بين وقت وآخر لكنها لا تزال قاعدة التواصل مع المجتمعين العربي والدولي. في زمن مضى، كانت إذا ما "حبُلت" بين دمشق وواشنطن أو باريس أو بريطانيا "تخلّف" في بيروت خطف رهائن أو تفجير سفارات، أو موقفاً لبنانياً رسميأ معادياً للمجتمع الدولي. ومن ثم إذا "حبُلت" بين طهران وواشنطن أو العرب "تخلّف " عملية لـ "حزب الله" في الجنوب. أما اليوم، وبسبب المناعة الناجمة عن التوازنات الداخلية المشار إليها والسياسات الخارجية الناجمة عنها، فإن لبنان لم يعد "ساحة"، ولم يعد يتأثر، إلا في الإعلام، بالصراعات الدولية والإقليمية حتى وإن بلغت حدود الحرب السياسية والإقتصادية المفتوحة بين واشنطن وطهران، كما هو الحال الآن.


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

جورج بكاسيني

22 آذار 2019 00:00