ميرنا منيمنة
تابع المشروع السياسي للرئيس التونسي قيس سعيد مساره الآحادي ففُتحت صناديق الإقتراع في 17 كانون الاول أمام حوالي تسع ملايين ناخب تونسي لإختيار ممثليهم خلال الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية وفق قانون انتخابي "إصلاحي" فُصّل على قياس طموحات الرئيس وانهى مفاعيل قانون 2014.
قانون انتخابي فرضه سعيّد دون أي نقاش، أقصى الأحزاب كما وضع عوائق كبيرة أمام وصول المرأة والشباب بصورة خاصة الى الندوة البرلمانية .
قانون يعتمد على ترشح أفراد وليس قوائم حزبية ، تخفيض عدد ممثلي الشعب، تقسيم للدوائر الإنتخابية داخل وخارج البلاد شابه خلل كبيرفي ظلّ غياب المعايير الموحدة حيث وجدت دوائر دون مرشحين، دوائر كبرى ممثلة بنسب أقل من دوائر أصغر،إضافة الى تزكيات صعبة أو حتى تعجيزية في دوائر اخرى في الخارج على سبيل المثال لا الحصر.
قانون يحتّم إبعاد المرأة التونسية عن المشاركة في التشريع ويقضي على مبدأ المساواة وذلك بعدما كانت تونس قد احتلت المرتبة الأولى بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في التمثيل النيابي للمرأة وفق القانون السابق.
أول من سجل الإعتراض الأكبرعلى هذا المسارالإنحداري للحريات ومحاولة انهاء مفاعيل ومكتسبات ثورة الياسمين هو الشباب التونسي الذي قاطع الاستفتاء الذي دعا اليه رئيس البلاد في 25 تموز الماضي بنسبة 90% وبلغت نسبة المشاركة بـ"نعم" حوالي 27%.
ولكن الزلزال السياسي الذي هزّ تونس هو النسبة القياسية لمقاطعة الانتخابات التشريعية التي سجلها مقياس ريختر الإنتخابي التونسي حيث امتنع حوالي 90 % من الشعب التونسي عن الإدلاء بصوته في الـ17 من الشهر الحالي في عملية "لا ديمقراطية" وفق الكثيرين.
وكان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر قد أعلن إن نسبة المشاركة بلغت حوالي 11% بالمئة في حين لاحظ مراقبون وجود طوابير للمواطنين أمام الأفران أطول بكثيرمن تلك التي أمام مراكز الإقتراع قي معظم الدوائر الانتخابية.
هذا الموقف السياسي الذي عبّر عنه الشعب التونسي عبر مقاطعة الانتخابات قد سبقته اليه شريحة كبيرة من اللبنانيين حين علّق حزب سياسي كبير اي "تيار المستقبل" اللبناني والذي لعب دوراَ كبيراَ في السياسة اللبنانية بعد انتهاء الحرب الأهلية ،عمله السياسي التقليدي واعتكف عن المشاركة في الانتخابات النيابية في 2022 اعتراضاً على المسار السياسي السائد والطائفية المتحكمة بمصير العباد والبلاد والتفسيرات المتعددة للدستور...
نتج عن ذلك برلمان لبناني مفتت دون أغلبية حاكمة أو أقلية واضحة، عاجز حتى الساعة عن انتخاب رئيس للجمهورية بعد أكثر من شهرين على الفراغ الرئاسي. الخوف ينتاب التونسيين من برلمان "أفراد" 11% منهم فقط ممكن أن يغيّر الوجه الديمقراطي لتونس في ظل حكم "سعيّد" الذي يتحكم بالسلطات جميعها.
ويشهد البلدان ، لبنان وتونس، أشد الأزمات الإقتصادية فتكاً بالشعب ومقدرات الدولة وتضخماً وانكماشاً يسجلان أعلى مستوياتهما وبطالة وهشاشة اقتصادية و اجتماعية غير مسبوقة وانهيار قطاعات التعليم والصحة وغيرها مقابل شعارات رنّانة في محاربة الفساد والقضاء على مكامن الهدر وضرورة إجراء إصلاحات جذرية وتطوير القوانين ...
دولتان لا تزالان في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي الذي يفرض تقشفاً وشفافية وسياسات اقتصادية معينة من أجل حزمة مساعدات مالية لن توصل الى بر التعافي الاقتصادي.
رفض الشعب التونسي "شعبوية" قيس سعيّد واعتبرت الأحزاب التي قاطعت الإنتخابات أن نسبة المقاطعة هي دليل على رفض دفن الديمقراطية والحياة السياسية وحركية الأحزاب. في ظل هذه الأزمة، اقترح رئيس حزب "آفاق تونس" فاضل عبد الكافي خارطة طريق للحلّ تبدأ بـ "إيقاف المسار الإنتخابي والسياسي الحالي وتشكيل حكومة طوارئ إقتصادية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة " من اجل إعادة الأمور السياسية في البلاد الى مسار طبيعي تشاركي ديمقراطي .أما فريق "سعيّد " الذي شيطن الأحزاب كما فعلت قوى "التغيير " في لبنان و ألبستها جميعها كل الموبقات الإقتصادية والسياسية وحملتها مسؤولية ما وصلت اليه البلاد فلقد رأى أن نسبة المشاركة المتدنية ليست إشارة سلبية بل دليل على "نظافة " الانتخابات و خلوها من حملات الترويج السياسي التي كانت تعتمدها الاحزاب وشراء الاصوات وضخ "المال االسياسي " لوسائل الإعلام. غير أن واقع الحال معاكس تماماً إذ أن "وعود " سعيّد باستنهاض تونس لا تزال موجودة فقط في "مونوغولاته". وهنا نستذكر عبارة رئيس جمهورية لبنان ميشال عون الشهيرة "سأسلم لبنان أفضل مما استلمته " . و مع انتهاء ولاية "عون " كان لبنان قد عاد سنيناً الى الوراء .
لم يصوّت التونسييون لأن همومهم اليومية بحاجة الى حلول سريعة وليس الى انتخابات معلّبة. لم يصوتوا لأنهم كما اللبنانيين بحاجة الى سياسة "عاقلة" تبني الثقة بالدولة ومؤسساتها، تعيد الأمل للمواطنين بمستقبل أفضل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.