على غرار”خواتيم” الأعوام الثلاثة الأخيرة مذ بدأ لبنان يرزح تحت وطأة احد أسوأ الانهيارات المالية والاقتصادية والاجتماعية التي عرفها العالم في القرنين الماضيين، تشهد آخر أيام 2022 معالم اضطراب مالي ترجمته الموجات الجنونية في قفزات سعر الدولار الأميركي في الأسواق الرديفة وتراجعاته في ما يشبه مبارزة مفتوحة بين تدخلات مصرف لبنان وتفاعلات السوق بحسب "النهار". وإذ طغت الوقائع المالية – المصرفية على الأجواء الداخلية التي واكبت عطلة عيد الميلاد واعقبتها، فان موجات المد والجزر المالية لم تحجب اطلاقا تصاعد الغموض والبلبلة والغبار المتصاعد أيضا من المشهد السياسي – الرئاسي الذي يبدو واضحا انه على رغم كل الضجيج الإعلامي والدعائي الذي طبع بعض التحركات السياسية الأخيرة، فان ذلك لم يزد ازمة الفراغ الرئاسي الا تعقيدا ورسوخا وخشية من حقبة فراغ مفتوحة على الغارب من تداعياتها موجات التلاعب بالدولار وتهريبه الى سوريا. واذا كانت الأيام القليلة الفاصلة عن نهاية السنة الحالية وبداية السنة الجديدة تتسم بترقب تطورات مواقف القوى الداخلية من السيناريوات المطروحة مجددا، سواء لاحياء فكرة الحوار مع الية جديدة لتذليل اعتراضات القوى التي رفضت الدعوات السابقة الى الحوار، او لتبين طبيعة ما يسمى مبادرات لقوى داخلية حيال التوافق على لائحة بمجموعة أسماء مرشحين للرئاسة، فان اللافت في هذا السياق ان التشاؤم بدا غالبا على المعطيات التي تجمعت في شأن كل الطروحات، الامر الذي يؤكد ان المرحلة الجدية لتحريك مشاريع الحلول لازمة الفراغ لم يحن اوانها بعد لا داخليا ولا خارجيا. ولم يكن اعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عدم اعتزامه زيارة لبنان سوى مؤشر ضمني حيال تجمع أجواء خارجية وداخلية لا تشجع أي دولة “وسيطة” كفرنسا على حرق اصابعها مجددا في الرمال اللبنانية الحارقة ما دامت لا تمتلك ضمانات كافية للتحرك مجددا، علما ان الافقار الى هذه الضمانات يعني عدم وجود أرضية إقليمية (سعودية وايرانية تحديدا) كما عدم وجود أرضية داخلية تشجعان على اطلاق مبادرة تحمل معايير النجاح في انتخاب رئيس للجمهورية .
لذا تمركزت الأنظار في الساعات الأخيرة على ” معركة” تدخل مصرف لبنان في الازمة المتصاعدة التي دفعت بسعر الدولار الى سقوف مخيفة ناهزت سقف الـ 48 الف ليرة محدثا ذعرا واسعا على وقع اشتعال الأسعار الاستهلاكية كافة ربطا بهذا الجنون. وغداة عطلة الميلاد، عمد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الى التدخل عبر بيان انعكس فرملة فورية لسعر الصرف متسببا بتدحرجه من مستوى لامس الخمسين الفا الى ما دون الـ42 الف ليرة، مقابل اجراء معاكس ترجم برفع سعر دولار منصة صيرفة الى 38 الف ليرة، ولكن الاجراء الأخير سيتسبب بارتفاعات كبيرة للفواتير الكهربائية والهاتفية وبطاقات تعبئة الهواتف الخليوية .
وفي تطور لافت ينبئ بمواجهة دارت خلف الكواليس المالية، اصدر سلامة بيانين متلاحقين، اعلن في الأول منهما ان ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي خلال فترة الأعياد والتي امتدت لمدة ثلاثة ايام 2000 ليرة في السوق الموازية، “ناتج عن عمليات مضاربة وتهريب الدولار خارج الحدود. هذا الارتفاع سبّب تضخماً في الأسواق مما أضرّ بالمواطن اللبناني كون الأسعار في لبنان ترتبط بسعر صرف الدولار”. واعلن تاليا رفع سعر “صيرفة” ليصل إلى 38 الف ليرة على ان “يشتري مصرف لبنان كل الليرات اللبنانية ويبيع الدولار على سعر 38 الفا ويمكن للأفراد والمؤسسات ومن دون حدود بالأرقام، أن يتقدموا من جميع المصارف اللبنانية لتمرير هذه العمليات”. وفي البيان الثاني، أكد سلامة البيان الصادر سابقًا وأن”ليس من شروط متعلقة بتنفيذ هذه العمليات والتي ستنفذ تلقائيًا حينما تتقدم المصارف اللبنانية من مصرف لبنان بالليرات اللبنانية وسيسلمها فورًا بالمقابل الدولارات” وأعلن أن “مصرف لبنان سيمدّد ساعات العمل بما يتعلق بالعمليات المذكورة حتى الساعة الخامسة مساءً من كل يوم عمل، وذلك حتى 31 كانون الثاني 2023”.وعلى اثر صدور هذين البيانين سجل سعر الدولار تراجعاً كبيراً تجاوز الـ5 آلاف ليرة .
وإذ اعتبر اجراء مصرف لبنان اعنف رد على المضاربات اكدت مصادر مطلعة أن لدى مصرف لبنان قدرة على التدخل في السوق بين 500 مليون دولار ومليار دولار، وإذ توقعت أن ينخفض سعر صرف الدولار أقله الى نحو 40 ألف ليرة، ليتقلص الفارق مع سعر صيرفة، شددت على ضرورة تنفيذ قرار الحاكم بطريقة تمنع اي استغلال، فيما علم ان مصرف لبنان سيعمم على المصارف اجراءات تنظيمية منعا من استغلال القرار خصوصا وأنه سيكون متاحا للجميع ومن دون حدود بعدما كان مصرف لبنان يسمح للأفراد فقط بشراء 400 دولار شهريا كحد أقصى من المصارف.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.