1 آذار 2023 | 20:48

أخبار لبنان

اللواء إبراهيم... مهندس التفاهمات بديبلوماسيته الأمنية الناعمة

اللواء إبراهيم... مهندس التفاهمات بديبلوماسيته الأمنية الناعمة

زياد عيتاني -  لبنان الكبير





تميز بجدارة عالية في إجادته الأدوار الحوارية، والمهام التوفيقية، بين التناقضات السياسية الداخلية.

برع في تفكيك الكثير من صواعق الأزمات السياسية، التي كانت تنذر بتفجير البلد(!) بالقدرة نفسها التي برع فيها في تفكيك الشبكات الارهابية.

كان يملأ الفراغ السياسي، في فتراته المتواصلة، بحركته الدؤوب، التي لا تهدأ، سعياً الى إعادة الروح للمؤسسات الدستورية، ولو بواسطة أجهزة التنفس الاصطناعي.

كان يكلف بمهام سياسية معقدة، من خلال موقعه الأمني، لما كان يحظى به من ثقة وإحترام الأطراف المحلية، والدول الخارجية المؤثرة في لبنان.

لقب برجل المهمات الصعبة، الذي لا وجود للمستحيل في قاموسه.

يمتاز بصمته وتواضعه، بعيداً عن الأضواء والضجيج، تاركاً نتائج مهامه وأدواره، لتتحدث عنه.

إنه اللواء عباس إبراهيم.

تنقل اللواء إبراهيم بين الرتب، إلى أن رُقي إلى رتبة لواء في العام 2011، كذلك تنقل بين القطاعات والأجهزة الأمنية، التي سمحت له ببناء شبكته من العلاقات الداخلية، ولاحقاً الخارجية.

بدأ يبرز إسمه من خلال أدائه الأمني، عندما تولى أمن رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي، ولاحقاً الأمن الشخصي لرئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري، عند ترؤسه الحكومة الأولى (1992 - 1995)، قبل أن يعود إلى الأسلاك العسكرية وتحديداً مديرية المخابرات، التي بنى فيها سيرة مهنية طويلة، خصوصاً عندما كان رئيس فرع مخابرات الجنوب ولاحقاً المساعد الأول لمدير المخابرات، قبل أن ينقل إلى مديرية الأمن العام مديراً لها.

نسج إبراهيم من خلال المناصب التي تولاها بكفاءة عالية، شبكة من العلاقات الدولية والاقليمية على مدى سنوات خلال مسيرته، إنطلاقاً من مرحلة نهاية الثمانينيات، التي تولى خلالها أمن المبعوث الخاص للجنة الثلاثية للجامعة العربية في لبنان الأخضرالابراهيمي، بحيث راكم علاقات تمتد من تركيا إلى قطر وألمانيا وفرنسا، فضلاً عن روسيا والولايات المتحدة، بما في ذلك حفاظه على علاقات جيدة مع النظام في سوريا (من دون إستفزاز أي طرف داخلي)، ليكون بذلك رجل الأمن الأول في لبنان بالنسبة إلى المجتمع الدولي.

ويرى المتابعون أنه تولى بنجاح كبير، المهام نفسها التي كان يتولاها الشهيد اللواء وسام الحسن، بعد إغتياله بسيارة مفخخة في العام 2012، والذي كان يؤدي بصمت مطبق أدواراً سياسية في الخفاء خلال مهامه الأمنية، وهو ما ينطبق على اللواء إبراهيم. بعض هذه الأدوار التي أداها إرتبط بتقاطعات سياسية محلية لبنانية، أتاحت له إدارة ملفات شائكة، وبعضها الآخر لا ينفصل عن تقاطعات خارجية.

أدوار قبل توليه الأمن العام:

- ضبط أوضاع المخيمات الفلسطينية:

برز إسم اللواء إبراهيم للمرة الأولى حين تولى من موقعه كمدير لمخابرات الجيش في الجنوب ملف المخيمات الفلسطينية، وتحديداً مخيم عين الحلوة (عام 2007). ونجح في نسج علاقات مع كل المكونات الفلسطينية داخل المخيم، بمن فيهم الاسلاميون الذين كان محظوراً التعاطي والتواصل معهم في حينه.

وتطوّرت هذه العلاقة مع المكونات الفلسطينية مع توليه مهام المدير العام للأمن العام، وهو ما ترك آثاراً إيجابية على الوضع الأمني والاجتماعي سواء داخل المخيمات الفلسطينية أو خارجها.

- تبادل الأسرى مع الاسرائيليين:

وكان لابراهيم دور مهم في عملية تبادل الأسرى (عام 2008)، حين جرى تسليم رفات جنديين إسرائيليين قتلهما "حزب الله" في حزيران 2006، مقابل إطلاق سراح الأسير سمير القنطار، ومقاتلين آخرين من "حزب الله".

مهام بعد تسلمه الأمن العام:

عيّن إبراهيم على رأس أقوى جهاز أمني لبناني في مرحلة بالغة التعقيد سياسياً وأمنياً. فالحرب السورية بدأت تؤثر في الداخل اللبناني، حيث تمركزت مجموعات إرهابية على الحدود الشمالية الشرقية، وضربت سلسلة تفجيرات إرهابية عمق الضاحية الجنوبية لبيروت، في وقت كانت مهمة إبراهيم منع إمتداد نيران الحرائق المتنقلة في دول الجوار إلى لبنان.

- إطلاق سراح مخطوفي أعزاز وراهبات معلولا:

لم يحتج إبراهيم الى وقت طويل ليُكرّس راعياً للوساطات في الملفات الأمنية الكبرى. فقد إنطلقت مسيرته التفاوضية بداية، مع تكليفه ملف التفاوض على إطلاق سراح مخطوفين لبنانيين إحتجزتهم فصائل سورية معارضة في منطقة أعزاز المحاذية للحدود التركية. وبعد زيارات عدة سرية وعلنية قام بها إلى تركيا والدوحة، أطلق سراحهم.

بعد نجاحه في إطلاق مخطوفي أعزاز، أوكل إليه التفاوض لإطلاق سراح راهبات معلولا الـ13 المحتجزات لدى جبهة "النصرة"، وتم الإفراج عنهن مقابل إطلاق أكثر من 150 سيدة سورية من السجون السورية.

- تحرير العسكريين من "النصرة" والرفات من "داعش":

يسجل للواء إبراهيم واحدة من أبرز إنجازاته من خلال صفقة أمنية - سياسية صعبة، تضاف إلى المجموعة الكبيرة من الوساطات وجولات التفاوض التي قام بها باسم الحكومة اللبنانية، تتمثل في عودة الجنود اللبنانيين المختطفين من جبهة "النصرة" الى أهاليهم بعد 16 شهراً من المعاناة، بفعل مفاوضات شاقة قادها بنفسه، إضافة إلى عملية إسترجاع رفات شهداء الجيش اللبناني من تنظيم "داعش".

- ملف النازحين السوريين:

كلف اللواء إبراهيم ملف اللجوء السوري، الذي سمي نزوحاً، هرباً من إلتزامات اللجوء، إضافة إلى مشاركته في اللجنة الأمنية الروسية - اللبنانية، في مرحلة توقع فيها أن يفتح هذا الملف بقوة، نتيجة التطورات في سوريا.

- ملف العلاقات اللبنانية - السورية:

أمسك اللواء إبراهيم ملف العلاقات اللبنانية - السورية، في مرحلة دقيقة شهدت مناكفات سياسية، على خلفية ضغط فريق "حزب الله" - "التيار الوطني الحر" لعودة العلاقات إلى سابق عهدها بين البلدين وتحديداً إلى ما قبل العام 2011، ورفض رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري تلك العودة، وتهديده يوماً بالبحث عن غيره لرئاسة الحكومة في حال كانت مهمة الحكومة إعادة العلاقات.

رجل التفاهمات والحلول:

كان يبرز إسم اللواء إبراهيم كلما إندلعت أزمة سياسية في البلاد، وتخفق إزاءها كل مساعي المعالجة، وتصل الأمور إلى درجة الإستعصاء والإنسداد بين الفرقاء السياسيين، فيستنجد به، للبحث عن حلول وتفاهمات بين الأطراف السياسية المتنازعة، بغية إنجاز تسوية في ما بينهم، وإنقاذ الجمهورية من السقوط في "المهوار".

سفير فوق العادة:

كما أنه خلال السنين التي قضاها مديراً عاماً للأمن العام، تمكن من أن يكون نقطة وصل بين الخارج والداخل، لما حظي به من ثقة لا حدود لها في الداخل اللبناني، ولدى عواصم القرار، بما فيها واشنطن، بحيث قيل في وقت من الأوقات انه "يشكل قناة الحوار غير المرئية بين واشنطن وحزب الله"، لا سيما أن العاصمة الأميركية كانت تستدعيه وتطلب منه مهمات لها علاقة بأميركيين فُقد أثرهم في سوريا في ظروف غامضة، لذا شكَّل أيضاً في مرحلة من المراحل قناة تواصل وتفاوض بين دمشق وواشنطن.

مهندس رسم الحدود البحرية:

يمكن إطلاق هذه الصفة على اللواء إبراهيم، لما بذله من جهد تفاوضي مضنٍ في إنجاز عملية الترسيم، التي بقيت عالقة زمناً طويلاً، قبل تفويضه بهذه المهمة البالغة التعقيد. إذ أن إبراهيم من "مؤسسي حالة الوساطة" التي يقودها آموس هوكشتاين بين لبنان وإسرائيل، من خلال إتصالاته ذات الطابع الأمني مع رجالات في المؤسسات الأميركية، خصوصاً أن منصب هوكشتاين في الخارجية الأميركية هو كبير المستشارين في شؤون أمن الطاقة، وهذا الموقع يجعله على تماس مع اللواء إبراهيم. لذلك، كانا على تواصل دائم هاتفياً، وكلما كان هوكشتاين يزور لبنان، يلتقيه فور وصوله، وقبل إجتماعه مع الرؤساء الثلاثة، للتفاوض معه على الترسيم، ولاستطلاع الموقف اللبناني منه، بحيث كان في صلب تلك المفاوضات، لا بل المفاوض الحصري من دون مبالغة، إلى أن تمكن بفضل ما بذله من جهود مضنية من إنجاز عملية الترسيم.

إعلام أميركي يرى عدم الاستغناء عنه:

نشرت أيقونة الصحافة الأمنية والعسكرية الأميركية "جاينز" عن اللواء إبراهيم ومسيرته وأدواره الدولية ولا سيما جهوده الحثيثة لفكّ أسر رهائن أميركيين وسواهم وضرورة حضوره في المشهد الاقليمي والدولي المقبل. وجاء في التقرير المذكور: "تستمر قيمة إبراهيم بإكتساب أهمية بالنسبة إلى المجتمع الدولي، في ضوء التطورات الجيوسياسية المتواصلة. إلتزمت إدارة بايدن القادمة بالديبلوماسية المتعددة الأطراف وبإستئناف الاتفاق النووي الإيراني. يواجه كل من لبنان وسوريا انهياراً اقتصادياً وشيكاً، بينما تواصل إسرائيل مهاجمة حزب الله والمواقع والمسؤولين الايرانيين في أنحاء المنطقة كلها، كل ذلك يجعل من إبراهيم شخصية لا يمكن الاستغناء عنها بالنسبة الى المجتمع الدولي"....

إستثناء كأمني بأدواره السياسية:

سجل اللواء إبراهيم، الذي يحال اليوم على التقاعد، بعدما بلغ السن القانونية، إستثناءً وفارقاً شخصياً، كأمني بأدواره السياسية والوطنية والانسانية، فشكل نموذجاً راقياً ومختلفاً عما كان عليه أقرانه الأمنيون في زمن الوصاية، ممن راكموا العداوات والخصومات، خصوصاً أن أدوارهم السياسية كانت مترافقة مع ترهيب أمني، ومفروضة بقوة الحضور السوري!

لكن يبدو أن الطبقة السياسية توجست من عباس إبراهيم وخافت من حجمه وحضوره، بعدما بات يمتلك مروحة واسعة من العلاقات الدولية والعربية، ويحظى بثقة كبيرة محلياً وخارجياً، مما شكل لتلك الطبقة "نقزة"، الأمر الذي دفعها الى عدم إخراج "أرنب" التمديد له.

يخرج عباس إبراهيم من السلك العسكري، متحرراً من قيود المسؤولية الرسمية، ليعقد العزم على حمل لواء العمل الوطني الأشمل والأرحب، الذي يستحقه بكفاءة وجدارة عاليتين.



يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

1 آذار 2023 20:48