8 آذار 2023 | 09:44

أخبار لبنان

استنهاض "اتفاق معراب" باقتراح تقسيم بلدية بيروت!

استنهاض

زياد سامي عيتاني- لبنان الكبير 




عواصم البلدان المختلفة، تشكّل المؤشر الأساس والأكثر تعبيراً عن واقع تلك البلدان على الصعد كافة، كون العاصمة لها وظيفة مركزية للدولة ولمؤسساتها الدستورية والادارية، ولحجم الدورة الإقتصادية والإنتاجية، ولمدى الإستقرار الإجتماعي والمعيشي بكلّ مندرجاته لتلك البلدان، لأنها، أي العاصمة تختزل بمركزيّتها واقع دولتها، وتحدّد مسار نظامها السياسي، بما في ذلك الأنظمة غير الديموقراطية، أو الأنظمة التي تمارسها جزئياً وبحدّها الأدنى.

بناءً عليه، فإنّ موقع بيروت ودورها التوحيدي الجامع في المعادلة الوطنية التاريخية منذ نشأة دولة لبنان الكبير، شكّلا ضمانة لبنان الوطن والكيان والدولة، والنموذج الفريد والمميّز في هذا الشرق.

وفي الوقت الذي لبنان أحوج ما يكون فيه الى التمسّك بثبات هذا الدور التوحيدي الجامع لبيروت وصلابته، في ظل ما يعيشه من أزمة كيانية، تجعل وجوده مهدداً، ومصير بنيه مجهولاً، يطلع علينا عدد من "نوائب" (!) بيروت، من حديثي "النعمة" السياسية، مدفوعين ومشحونين بفئويّتهم وعنصريّتهم الطائفية والمناطقية، بمشروع تقسيم بيروت بلديّاً إلى جزأين على أساس طائفي، بعيد كلّ البعد عن تاريخ بيروت "عاصمة الوحدة والوطنية والعيش المشترك" وهويتها، في سابقة خطيرة، مستحضرين ثقافة الحرب العبثية المدمرة (الشرقية والغربية) ونكء جراحها، والذين ما زالوا عالقين داخل شرنقتها، غير قادرين على تجاوز "متاريسها" (لزوم التقاتل الطائفي)، المختبئين على الدوام خلفها، لتصويب نيران حقدهم ورفضهم للعيش الواحد والمواطنة، تجاه شركائهم في الوطن!

فريقا "اتفاق معراب" المختلفان في الجوهر والعمق بينهما، كلّما كان الموضوع المطروح لا يتعلّق بصراعهما (التاريخي - الدموي) على الاستئثار بمن يمثّل الشارع المسيحي، وبالتالي الامساك بالسلطة، يتحالفان على حين غرة، عندما يخترعان لأنفسهما "عدواً إفتراضياً" مشتركاً، ودائماً هو المكوّن الآخر، المتمسك بالمناصفة، عن قناعة وفعل إيمان، غير ملتفتين الى التغيير الديموغرافي الجذري، الذي تسبّب بخلل بنيوي في التركيبة المجتمعية في بيروت.

لا يختلف اثنان على التراجع "الممنهج والمنظم" للدور الريادي المتقدم لبيروت "عاصمة قرار لبنان السياسي" منذ سنوات، مقروناً بإضعاف مؤسساتها التاريخية على الصعد كافة (دينية، إجتماعية، تربوية، صحية، تنموية، الخ...)، وبالتدمير المتعمّد لبنيتها التحتية والفوقية ومرافقها العامة التي باتت شبه مشلولة، فضلاً عن طمس كلّ معالمها الحضارية، وضرب حركتها الاقتصادية (المتوقفة عجلتها) في الصميم، وصولاً إلى الحالة المعيشية المزرية المذلة التي يعيشها أبناؤها وأهلها والمقيمون فيها من مختلف فئات المجتمع البيروتي وشرائحه.

لكن السؤال الذي ينبغي طرحه على هؤلاء "المتبيرتين" أصحاب مشروع القانون "الهجين": هل ما تعانيه بيروت من تدمير ممنهج للقضاء على دورها وتاريخها، يتحمّله مجلسها البلدي حصراً، أم أنّ هذا الحقد، يندرج في سياق مشروع "جهنمي" يديره وتنفذه جهات سياسية محلية وخارجية، للإطاحة بدورها الريادي، كعاصمة مركزية للقرار اللبناني، وبوظيفتها التوحيدية الجامعة للنسيج اللبناني الحضاري التعدّدي، وإستدراجها إلى مستنقع أتون صراع الأزقة والزواريب؟

طرح هذا السؤال، لا يعفي المجلس البلدي لمدينة بيروت (الذي تتمثّل فيه كلّ القوى السياسية، بما فيها الجهتان اللتان تقدمتا بمشروع القانون "التقسيمي") من المسؤولية الكبيرة التي يتحمّلها عن كلّ ما يشوب أداءه من تقصير وخلل وهدر، وصفقات الخ... على الرغم من أنّه المجلس الوحيد في كلّ لبنان الذي لا يملك صلاحيات تنفيذية، المناطة قانوناً بالمحافظ، لاعتبارات قيل إنّها تتعلّق بالتوازن الطائفي، بحيث أنّه منذ خمسينيات القرن الماضي وبلدية بيروت تعاني من تضارب الصلاحيات بين السلطة التقريرية المتمثّلة في المجلس البلدي، والسلطة التنفيذية المتمثّلة في المحافظ، وكانت الحلول على الدوام تصطدم بالجدار الطائفي والمذهبي.

بالتأكيد أصحاب الاقتراح، الذين يريدون تفتيت بلدية بيروت وتقزيمها إلى "لجان أحياء" (يكون للمخاتير صلاحيات أوسع منها) يدركون هذه الحقائق، غير أنّ طرحهم لا يتعلق بإستنهاض الوضع البلدي في بيروت، ورفع الغبن الإنمائي والخدماتي عنها، بل إنهم يعيدون إحياء "إتفاق معراب" من خلال تقسيم بلدية بيروت، مراهنين على ما يلوح في أفق المنطقة من مشاريع تقسيم للخارطة "الجيو - سياسية"، مما يعيد إحياء مشاعرهم، عندما رفعت شعارات "حرب الإلغاء" و"حالات حتماً".



يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2023 09:44