بعدما اكتملت الصورة الفضائحية في هذا البلد، بإخضاعه بشكل كامل للعبثية السياسية، وتعطيل استحقاقاته الداخلية بدءًا برئاسة الجمهورية، ومن ثم تشكيل حكومة، وصولاً إلى ما كان متوقعاً حصوله لجهة الإطاحة بالانتخابات البلدية والاختيارية، وكذلك بتعريته من كل ما يحصّنه أمام العواصف المالية والاقتصادية والاجتماعية، بات لبنان متموضعاً على حافة احتمالات وسيناريوهات ومخاطر شديدة الكلفة على كل المستويات.
لعلّ نظرة مبسّطة على المشهد اللبناني وتطوراته المتسارعة، تعزز الخشية من ان يكون لبنان مقبلاً على آلام لا تُحتمل. فبالتوازي مع انقطاع المسار الرئاسي، وتموضع مكونات الصراع السياسي على منصّة التعطيل، وإحباط كل مسعى او جهد يرمي إلى بناء مساحة مشتركة على الحلبة الرئاسية، وخفوت وتيرة حركة الاتصالات الجدّية حول الملف الرئاسي، على مستوى الخارج الصديق او الشقيق، فإنّ مجموعة عوامل تجمعت في الآونة الاخيرة، إلى جانب التحلّل السياسي للدولة، وأعباء الأزمة والضغوطات الهائلة مالياً واقتصادياً واجتماعياً، توحي وكأنّ امراً ما، صدر من جهة ما، لبدء قرع طبول الفوضى الشاملة في الداخل اللبناني.
تلك العوامل، التي تبدّت في التطورات الاخيرة على الحدود الجنوبية، سواء ما يتعلق بعملية «مجيدو» قرب الحدود، او ما يتعلق بالاستباحة للأرض الجنوبية وجعلها منصّة لإطلاق الصواريخ المجهولة او المعلومة في اتجاه المستوطنات الاسرائيلية، او في ما يتعلق بالفلتان الأمني الذي تمدّد في الآونة الاخيرة وبلغ حداً قياسياً بالجرائم والعصابات والسرقات والتشليح، او بالفلتان الذي يشكّل الخطر الأكبر على لبنان وأمنه واستقراره، ويتمثل بإيقاظ خلايا ارهابية او اسرائيلية. كل هذه العوامل صاغت في الأرجاء اللبنانية سؤالاً قلقاً: ماذا يُحضّر لهذا البلد، وإلى أين يُقاد، وفي اي مستنقع يُراد إسقاطه؟
اما على مستوى الأمن الداخلي، فقد شخّصه مصدر أمني رسمي بقوله لـ«الجمهورية»: «بتنا نخاف من أن يُطرح علينا هذا السؤال من اي جهة خارجية او منظمة دولية او حقوقية، حيث انّه وضع أقل ما يُقال فيه بأنّه مخجل، اهتراء وتراجع في القدرات والإمكانيات الى ما دون الصفر، وفي ظل وضع كهذا يجب ان تتوقع كل شيء، بل انّ اقل ما يجب توقعه هو تفاقم العمليات وارتفاع معدلات الجريمة على اختلافها وفي مختلف المناطق. فكيف يمكن ان تلبّي حاجة البلد إلى الأمن والاستقرار؟ وكيف يمكن ان تردع اللصوص والمجرمين، وانت لا تملك شيئاً وجهازك البشري والآلي شبه مشلول؟».
وقال النائب فادي علامة في هذا الإطار: «من غير المقبول إستمرار هذا التفلّت الأمني الذي تجاوز كل الحدود في الأشهر الأخيرة. فعلى الاجهزة الأمنية بالتعاون في ما بينها، ملاحقة وتوقيف المخلّين، للحدّ من هذه الظاهرة التي بنتيجتها يسقُط ضحايا أبرياء، وتُسبب حالة من الرعب والحُزن للأهالي».
امّا من جهة ثانية، فإنّ ما حصل بالقرب من الحدود الجنوبية وإطلاق صواريخ في اتجاه المستوطنات الاسرائيلية، فبحسب مصادر سياسية، ليس بريئاً. وقالت لـ«الجمهورية»، انّه بمعزل عن هوية الجهة التي تقف خلف اطلاق هذه الصواريخ، أكانت فلسطينية او غير فلسطينية فهي ليست بريئة، بل هي صواريخ خبيثة ومشبوهة، وخصوصاً انّ كثافة النيران التي أُطلقت، على نحو غير مسبوق منذ حرب تموز 2006، اثبتت بما لا يقبل أدنى شك انّها صواريخ تستجدي حرباً، او بالحدّ رداً كثيفاً بحجمها.
واكّدت المصادر، انّ ادراج هذه الصواريخ في سياق تضامني مع الفلسطينيين في مواجهة استباحة المستوطنين للمسجد الاقصى، هو ادعاء كاذب، فمن يريد ان يتضامن يتضامن علناً، ولا يختبئ في الظلام، خصوصاً انّ اي جهة لبنانية او فلسطينية لم تعلن مسؤوليتها او تتبنّ اطلاق الصواريخ، و«حزب الله» اعتصم بالصمت حيالها. في أي حال، هي صواريخ كانت غايتها التصعيد. فهل نحن في لبنان مستعدون لهذا التصعيد، وهل نملك ان ندفع كلفة اي تصعيد؟ وهل البنى التموينية والغذائية مكتملة او موفرة او جاهزة لمواكبة اي تصعيد، وقبل كل ذلك، هل ثمة مستوصف جاهز، او مستشفى جاهز ومتوفرة لديه امكانياته وأدويته وأمصاله ليكون في خدمة التصعيد واستقبال ضحاياه؟
على انّ هذه المسألة، وكما يعكس الإعلام العبري، لم تنته بعد في الداخل الاسرائيلي، حيث انّ المستويات السياسية تحذّر من انّ الاوضاع تسير نحو الحرب. واللافت في هذا السياق، ما اوردته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الاسرائيلية، حول انّ الأحداث التي وقعت في الآونة الأخيرة وشملت إطلاق صواريخ على إسرائيل من لبنان، ربما تكون بمثابة صرخة إيقاظ قبل الحرب القادمة. اضافت الصحيفة: «إسرائيل تسير نحو حرب قد تكون من أصعب الحروب التي مررنا بها، والأفضل لنا أن نستعد لها بشكل جيد عملياً وعقلياً، ويُقال إنّ اليمين متشائم، لكن هناك طريقة أخرى لفهم الموقف اليميني، وهي الواقعية، لذا علينا أن نستعد مقدماً ونشكر أعداءنا على الإنذار المبكر الذي أرسلوه إلينا من لبنان وغزة وسوريا».
الّا انّ الأكثر خطورة مما تقدّم، هو ما تمّ الكشف عنه اخيراً حول خلايا معادية كانت تحضّر لتفجيرات في هذه الفترة. وقال مرجع أمني لـ«الجمهورية»: «لبنان نجا من كارثة، واكاد اقول من كوارث، جراء ما كان يحضّر له من عبوات ناسفة تستهدف مناطق لبنان، ولاسيما الضاحية الجنوبية».
ولفت المرجع عينه إلى اننا «لا نستطيع ان نختبئ خلف اصابعنا، فالوضع الأمني، والداخلي بصورة عامة، وضع هشّ، ومفتوح على مخاطر، والاجهزة الامنية والعسكرية على اختلافها تقوم بواجباتها في تعقّب وملاحقة الخلايا الارهابية والاسرائيلية، وما حققته مخابرات الجيش اللبناني في القبض على واحد من اخطر المتعاملين، في الضاحية».
وفيما فضّل المرجع الأمني عدم الدخول في مسار التحقيق، راجت معلومات تفيد بأنّ خلال مداهمة الشخص المذكور في منزله في محلة صفير في الضاحية الجنوبية، تمّ العثور على عبوات ناسفة، محضّرة وجاهزة للتفجير. ورجحت تلك المعلومات فرضية ان تُستخدم تلك العبوات وتفجيرها في خلال إحياء «يوم القدس» الذي ينظّمه «حزب الله» يوم غد الجمعة، كمناسبة سنوية في آخر يوم جمعة من شهر رمضان.
وكان الجيش قد اصدر بياناً جاء فيه: انّه «على أثر وقوع انفجار داخل أحد المنازل في منطقة الصفير- الضاحية الجنوبية بتاريخ 27/3/ 2023، أوقفت دورية من مديرية المخابرات المواطن (م.غ.) الذي كان في طور تحضير عبوة ناسفة داخل منزله، بعد مباشرة التحقيقات والكشف على المنزل حيث ضُبطت مواد أولية تدخل في تصنيع المتفجرات».
اضاف البيان، انّه نتيجة استجواب الموقوف المذكور، تبين ارتباطه بالمواطن (م. ب.) الذي تمّ توقيفه في منطقة عرمون، واعترف أنّه يقوم بشراء المواد الأولية لتصنيع المتفجرات لصالح الموقوف (م.غ.)، وقد تبين نتيجة التحقيقات أنّه كان يخطّط لتنفيذ أعمال إجرامية في أماكن مختلفة بتكليف من مشغلّين خارجيّين».
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.