تزمع وزارة المال، وبالتنسيق مع مصرف لبنان المركزي، اعتمادَ تصحيحٍ نهائي لسعر الدولار الجمركي عبر مطابقته مع السعر المعتمَد للدولار النقدي عبر منصة «صيرفة»، مع ترجيح بدء سريان التعديل الجديد لاحتساب الرسوم على المستورَدات، وفق النِسَب المعمول بها، بدءاً من أول الشهر المقبل.
بالترجمة الرقمية، سيجري تلقائياً رفْع السعر المرجعي لكل دولار من 60 ألف ليرة الى نحو 87 الف ليرة، إنما سيظل التسعير خاضعاً للتعديل جزئياً تبعاً لأي تقلبات هامشية أو جوهرية تطرأ على سعر دولار منصة صيرفة.
وفي الوقائع الميدانية، لوحظ ان الأسواق تتعامل مع القرار بواقعية لافتة وأصوات اعتراضية خافتة، كما حصل مع سابِقه الساري منذ أقل من أسبوعين فقط والقاضي برفع السعر المرجعي من 45 إلى 60 ألف ليرة. وبالمثل، لم تَظهر أي تحركات نقابية معاكسة، وذلك على منوال المرور الانسيابي لقراراتٍ متلاحقة أفضت إلى مضاعفة سعر الدولار الجمركي عدة مرات في أسابيع قليلة أعقبتْ اعتمادَ السعر الرسمي الجديد للعملة الوطنية عند مستوى 15 ألف ليرة لكل دولار نقدي بدءاً من اول فبراير الماضي.
وبحسب ما أفادت مصادر مالية معنيّة "الراي الكويتية"، فإنه يصعب التمهل في التطبيق ريثما يتم هضم التعديل السابق، وذلك بعدما التزمت الحكومةُ بصرف منحة المضاعفات الجديدة لرواتب القطاع العام، والمحدَّدة بإضافة 4 رواتب جديدة لجميع موظفي الادارات العامة و3 رواتب لمنتسبي الأسلاك العسكرية والأمنية والمتقاعدين من الفئتين، اعتباراً من نهاية الشهر المقبل، فيما لا تتوافر لدى الخزينة العامة تدفقاتٍ من موارد مالية موازية.
ومن غير المتوقع أن يجد رفض الهيئات الاقتصادية للقرار الجديد استجابةً من وزارة المال التي تعاني من شح صريح في موارد الخزينة، وهو ما يرتبط بتداعيات الاضراب المستمر لموظفي الادارات العامة وتعثُّر جباية الضرائب والرسوم وحتى عدم توافر الطوابع (الدمغات) على المعاملات الرسمية.
وقد طالبت الهيئات الاقتصادية وبإلحاح، عدم زيادة الدولار الجمركي الى ما يوازي دولار منصة صيرفة، والتوقف عند سقف 60 ألف ليرة، لإعطاء الوقت الكافي لدرس أثَر زيادة الدولار الجمركي من 45 ألف ليرة إلى 60 ألف ليرة ومن ثم النظر في إمكان زيادته مرة جديدة بعد أقل من 15 يوماً.
وفي الإطار، أكدت الهيئات تَفَهُّمها لحاجات الدولة التمويلية، لكنها حذرت في الوقت نفسه من أن استسهال تأمين الإيرادات عبر زيادة الدولار الجمركي ستكون له تداعيات اجتماعية وحياتية خطرة كما سيرتّب إخلالات اقتصادية لا تحمد عقباها، مشيرة إلى أبواب أخرى يمكن اللجوء إليها ومنها مكافحة الاقتصاد غير الشرعي الذي بات يشكل أكثر من 50 في المئة من حجم الاقتصاد الوطني.
وبالفعل، ترتّب الزيادة الجديدة ارتفاعاتٍ فوريةً وبنسب متفاوتة على مجمل السلع المستوردة، باستثناء اللوائح المعفاة أساساً، والأهم بينها الخاصة بقطاع الغذاء المأزوم بحدة بالغة في ظل ارتقاء لبنان الى المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر ارتفاع كلفة المعيشة، ولا سيما في نطاق السلع الغذائية، حيث تخطى في الترتيب المحدّث كلاً من زيمبابوي وفنزويلا.
وإذ كشف رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي أنّ «كل ارتفاع 15 ألف ليرة على الدولار الجمركي سيؤدي إلى ارتفاع 5 في المئة على الأصناف التي تدفع جمارك كالمعلّبات والفاكهة والألبان والأجبان، بينما يفترض عدم تسجيل أي زيادات على أسعار مواد أساسية معفية كالأرز والسكّر والحبوب»، فإن الفارق المتوقع سينعكس ارتفاعات بحصيلة 15 في المئة على الأسعار الخاضعة للرسوم. كما ان التجارب السابقة تنذر بتمدد الارتفاعات، وبالنِسب عينها، الى مجمل منظومة السلع الغذائية وغير الغذائية، ربطاً بفلتان أسواق الاستهلاك وضعف أنظمة التتبع والرقابة الرسمية.
أما لجهة البُعد النقدي البحت، فإن الاجراء المرتقب سيشطب عملياً واحداً من مجموعة أسعار الصرف المتنوعة بالليرة، ويوسّع دائرة «الدولرة» الشاملة لمنظومات المداخيل المتنامية بوتيرة متسارعة في القطاعين العام والخاص على السواء. كذلك الأمر بالنسبة لمنظومة الاستهلاك التي تخضع بكاملها للسعر الواقعي للدولار ( الأسود) والبالغ متوسطه حاليا نحو 97 الف ليرة.
وبذلك، ينحصر السعر الرسمي لليرة بمبادلة السحوبات الدولارية من الودائع المصرفية، حيث يسمح لأصحاب الحسابات في البنوك بسحب ما يوازي 1600 دولار شهرياً بسعر 15 ألف ليرة لكل دولار، أي ما يوازي نحو 24 مليون ليرة. وثمة إشارات جدية إلى أن البنك المركزي سيعمد قريباً الى تعديل سعر المبادلة بما لا يقل عن الضعف، توخياً للتخفيف نسبياً من الاجحاف اللاحق بالمودعين، حيث تصل نسبة الاقتطاع في التصريف الى نحو 85 في المئة من القيمة الدفترية لكل عملية سحب شهرياً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.