عالية منصور
ازدادت في الأيام الأخيرة حدة الحملة على اللاجئين السوريين في لبنان، ووصلت إلى حد التحريض والترحيل والتنكيل. ومن دون أن ينكر عاقل أن اللجوء السوري إلى لبنان بدأ مع انطلاق الثورة السورية وسياسة البطش والقتل التي اتبعها نظام الأسد منذ اللحظة الأولى ضد المتظاهرين، وازدادت وتيرته مع دخول ميليشيا "حزب الله" إلى سوريا والمشاركة في قتل السوريين وتهجيرهم، واحتلال هذه الميلشيا لعدة مدن وقرى حدودية مع لبنان مما دفع القسم الأكبر من أهلها للجوء إلى لبنان.
منذ اللحظة الأولى لبدء وصول السوريين إلى لبنان تقاعست الدولة اللبنانية عن التعاطي مع ملف اللجوء السوري بجدية، فعندما كانت الأعداد لا تتخطى بضعة آلاف لم تقم الحكومة اللبنانية بأي خطوة لتنظيم الوجود السوري، بل على العكس وقفت عائقا أمام أي مقترح مقدم من أي جهة ولو لبنانية لتنظيم الملف.
اليوم وبعد 12 عاما على انطلاق الثورة السورية، ومعها انطلاق قوافل التهجير الممنهج الذي اتبعه نظام الأسد بالشراكة مع ميليشيات "حزب الله" اللبنانية وميليشيات عراقية وأفغانية وغيرها. وجميعها إيرانية الولاء، استفاقت السلطات اللبنانية على الأمر وبدأت بتنفيذ خطوات عشوائية للانتقام من هؤلاء اللاجئين. وكما كل الملفات في لبنان، صار ملف اللجوء السوري أحد ملفات الانقسام السياسي وتسجيل النقاط بين الأفرقاء المتخاصمين، ودوما دون وجود خطة حقيقية وفعلية لتنظيم هذا الملف وإيجاد حلول واقعية له.
الحملة على اللاجئين لا يمكن بأي حال اعتبارها عفوية، فقد بدأ الأمر بنشر أخبار كاذبة عن جرائم يرتكبها السوريون في لبنان، ومن ثم نشر فيديوهات من أماكن أخرى وأعوام سابقة وبثها على أنها تحصل اليوم في لبنان، ليتزامن ذلك مع حملة اعتقالات واسعة نفذت ضد اللاجئين وترحيل العديد منهم كما تقول عدة مصادر حقوقية.
الترحيل وعكس ما تقول السلطات اللبنانية لم يشمل فقط مخالفين، بل شمل عائلات ونساء وأطفالا. ونتج عن ذلك مآس كثيرة، وما قصة الطفلة رغد ذات السنوات السبع والتي عادت من مدرستها لتجد أن السلطات اللبنانية قد اعتقلت جميع أفراد أسرتها، ليست إلا واحدة من تلك القصص الكثيرة.
لبنان الذي يعاني من انهيار اقتصادي غير مسبوق، وفراغ سياسي على صعيد رئاسة الجمهورية وخلافات بين الفرقاء السياسيين، ألقى بكل المسؤولية عما وصلت إليه البلاد على كاهل اللاجئ السوري، وكيف لا وهو الحلقة الأضعف الذي لا حول له ولا صوت.
استمرت حملة نشر أرقام ومعلومات مغلوطة عن السوريين. حملة ساهمت في تأجيج المشاعر ضدهم مع ما يعانيه المواطن اللبناني بسبب الانهيار الحاصل. مبالغ بأرقام فلكية يتلقاها اللاجئ من مفوضية اللاجئين والدول المانحة، تقديمات وسخاء وهبات، حتى أصبح بعض المسؤولين اللبنانيين يصرحون بأن اللاجئ السوري يتلقى شهريا ما يفوق معاش كبار موظفي الدولة اللبنانية، بينما المواطن اللبناني يعاني الفقر والحاجة. لعبة قذرة يلعبها البعض. يضع الضحية في صراع مع الضحية، ضحية الحرب على السوريين بوجه ضحية فساد وسوء إدارة السلطات اللبنانية. وفي لحظة تهييج هذه المشاعر العدائية مهما علا صوت الحقيقة وتفنيد الأكاذيب يبقى غير مسموع أمام حفلة الجنون العنصري الحاصل.
وكما أن الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي في لبنان استخدم للتحريض على اللاجئين السوريين والتغطية على المسبب الأساسي بما وصل إليه لبنان، كذلك فزاعة التغيير الديموغرافي، فلبنان القائم منذ تأسيسه على توازنات طائفية ارتفع عدد السنة فيه أكثر من مليون سني سوري هذه المرة، سبب آخر للتحريض وإثارة مخاوف اللبنانيين، ولكن يتجاهل أصحاب هذا الخطاب والمتخوفون من التغير الديموغرافي في لبنان أن "جريمة" التغير الديموغرافي ارتكبت بحق السوريين، يتجاهلون أن نظام الأسد ومعه إيران وميليشياتها وحزب الله اللبناني شاركوا في تهجير أكثر من 50 في المئة من السوريين، تحديدا من سنة سوريا.
يتجاهل هؤلاء أنهم جميعا سياديون وممانعون وقفوا عاجزين أمام دخول شريك أساسي في حكم لبنان- أي حزب الله- إلى سوريا ومشاركته في القتل والتهجير، فالحلقة الأضعف اليوم هي اللاجئ السوري، فلنصبّ جام غضب اللبنانيين، ضحايا فساد السلطات اللبنانية، على اللاجئين السوريين، ضحايا إجرام نظام بشار الأسد وايران وحزب الله.
ويتجاهلون أن من يرفض عودة اللاجئين السوريين هو نفسه الذي هجرهم، فلا المبادرات السابقة لمدير عام الأمن العام اللبناني السابق اللواء عباس إبراهيم نجحت في إعادة اللاجئين، ولا ورقة "اللاخطة" لوزير المهجرين عصام شرف الدين نجحت، ومجددا بدل الضغط على النظام الذي هجّرهم لإعطاء ضمانات لعودتهم، انصب جام غضب اللبناني المقهور على اللاجئ السوري.
يتجاهلون أن وضع عشرات اللاجئين يوميا في عربات لقوى الجيش والأمن وإلقاءهم على الحدود السورية اللبنانية ليس حلا، ولا يمكن نقل ورمي أكثر من مليون سوري بهذه الطريقة غير الإنسانية وغير القانونية.
يتجاهلون أن ضبط الحدود اللبنانية السورية هو مسؤولية الدولة اللبنانية وليس مسؤولية اللاجئ السوري ولا مفوضية اللاجئين ولا منظمات حقوق الإنسان التي يهاجمونها ليل نهار ويتهمونها بأنها سبب بقاء السوري في لبنان، فهم لا يجرؤون على تسمية الأمور بأسمائها، لا يجرؤون على تسمية النظام السوري وحزب الله، فالأسهل هو التحريض والتحريض ومزيد من التحريض.
المواطن اللبناني اليوم ضحية تماما كما اللاجئ السوري، يتم استغلال ما يعانيه من أزمات تسببت فيها السلطات اللبنانية، وحزب الله الذي قاتل لا في سوريا فحسب بل في اليمن والعراق، وشارك بسبب أجندته غير اللبنانية وفساده في الانهيار الحاصل ووقف أي دعم عربي ودولي للبنان، وتشويه صورة لبنان وعلاقاته العربية. يتجاهلون مسؤولية التيار الوطني الحر الذي- وبحجج واهية- رفض تنظيم اللجوء السوري في لبنان عندما تقدمت أكثر من جهة بمشاريع للحكومة في هذا الخصوص. يتجاهلون عن قصد كل شيء ليستمروا في سياسة تحريض الضحية على الضحية.
يجب إيجاد حل لمسألة اللاجئين السوريين في لبنان، يجب تنظيم هذا الأمر بالأمس قبل اليوم، ولكن ما يحصل اليوم هو استغلال لمعاناة الشعبين لأهداف سياسية، للتسويق لمرشح رئاسي وحرق أوراق مرشح آخر، للقول للدول العربية نحن هنا ونريد أن نكون معكم على طاولة أي تسوية مقبلة مع نظام الأسد إن حصلت، ولكن ما يفعلونه أمر خطير يجب وقفه فورا قبل أن تخرج لعبة التحريض عن السيطرة، وخصوصا أن نظام الأسد وحزب الله يتقنون لعبة الطابور الخامس.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.