تتنقل محاولات الانتحار من بيت الى بيت، ومن شارع الى شارع في النسيج اللبناني الذي يسجل رقما قياسيا بدءا من العام 2005، تاريخ دخول البلاد في دوامة الاغتيالات والركود الاقتصادي والفراغ المؤسساتي. هذا الأمر استدعى دخول وزارة الداخلية على الخط الساخن، من خلال إحالة الوزيرة ريا الحسن الى وزارة الصحة كتاب المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان، الذي يطلب من كل قطعات قوى الامن المعنية بضرورة التعامل مع من يحاول الانتحار على انه انسان مضطرب نفسيا وبحاجة للمعالجة ويستوجب متابعته صحيا من قبل اخصائيين نفسيين. وكذلك الطلب الى القطعات الأمنية المعنية عند تلقيها بلاغا او اخبارا او عند التحقق من وجود حالات انتحار، الاستعانة والتنسيق مع عناصر الدفاع المدني او مع متخصصين مدنيين مدربين لهم الخبرة في هذا المجال، وخصوصا الاتصال بجمعية EMBRACE على الرقم 1563 باعتباره الخط الساخن للوقاية من الانتحار والمعتمد من قبل وزارة الصحة العامة".
تعني "Embrace" العناق ، أي احتضان الأزمة كإحدى الخطوات االلازمة في حكومة العمل من أجل مجتمع معافى، بما يتيح لأصحاب المشكلات الاجتماعية التنفيس عن الحالات النفسية التي تلحق بهم ، بحيث تقدم بالتعاون مع قسم الطب النفسي في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت، توعية ودعم الأشخاص الذين يحتاجون الى المساعدة عبر تبديد الخرافات والمعلومات الخاطئة التي تحيط بالمرض النفسي، كما تقدم معلومات عن الموارد المتوافرة الى الأشخاص الذين يعيشون في لبنان، وتجمع التبرعات للمساعدة في تأمين العلاج والعناية للأشخاص العاجزين عن تحمل كلفتهما.
وبتكرار حالات اليأس المتمثلة بإحراق الجسد أو التهديد به من جورج زريق، الذي قضى نحبه حرقا،ً الى محمود حسن الى اللاجئ السوري "س.م" وغيرهم، تقابل أستاذة علم النفس التطبيقي الدكتورة منى فياض، ل "مستقبل ويب"، بين حوادث التعبير بحرق الجسد المتكررة في لبنان والعالم العربي وبين ما كان يقوم به طائر الفينيق في الاسطورة القديمة، إذ أنه كان "يتميّز بقدرته على الولادة المتجددة بعد أن يحرق نفسه بحرارته الذاتية. وهو يرمز بهذا إلى حلقتَيْ الموت والانبعاث".
وتسأل فياض:"ألسنا في تراجيديا متقلبة لا تتوقف منذ عام 2005، تاريخ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ووصل بنا الحال إلى ما نحن عليه من التفكك التّام وانحلال اللحمة، وانحدار القيم إلى مستوى غير مسبوق؟ تحلّل يشمل الأسرة والأصدقاء والجيران.. بسبب الخلافات وانعكاس الصراعات السائدة. هناك فكرة موهومة عند البعض حول "عصبيّتهم المذهبيّة التي توحّدهم" وتجعلهم أقوى. الجميع ضعفاء وخائفون ولا يفكرون إلا من أحشائهم وغرائزهم. يوحّدهم الخوف والجبن".
وفي حالات حرق الجسد تحديدا، فإنها ظاهرة غير مستجدة في الشارع اللبناني، بحسب فياض، التي تؤكد بأن لبنان شهد في العقود الماضية حالات نساء أشعلن أجسادهن بمادة الكاز أو غيرها تعبيرا عن رفض ظلم ما يتعرضن له، لتتوسع الحوادث في السنوات الاخيرة الى معدلات انتحار مخيفة بفعل الفقر والعنف والقلق على المستقبل والبطالة والخوف من تسديد فواتير لا تنتهي ، الامر الذي ترجم احباطا مع بروز تيارات نفسية ضعيفة في المجتمع متمثلة بحالات الاكتئاب" .
ولاحظت أن حالات الانتحار تتراجع في زمن الحروب لتسجل تصاعدا ملحوظا في حقبات الاستقرار الامني الذي يطغى عليه مشكلات اقتصادية، وهو الامر الذي تظهر في أزمة 1929 الاقتصادية بحيث سجل لبنان حالات انتحار وصولا الى الأزمة التي عصفت بالبلد بعد 14 شباط 2005 من حيث الانقسام والتفكك الاجتماعي وعدم التماسك". وتختم فياض ب"التأكيد في أن من يقدم على الانتحار بحاجة لعلاج ومتابعة، إنما لا يعد مريضا.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.