شرفني الصديق الدكتور سلطان ناصر الدين مؤخراً بدعوتي لحضور حفل تخرج "ثانوية السفير" ليس فقط بصفتي صحافياً ولكن أيضاً كصديق له وللمدرسة التي تسنى لي خلال العام الدراسي المنتهي أن أواكب وبدعوة منه ايضاً بعضاً من أنشطتها اللامنهجية وأن أتعرف عن قرب على أسرتها من اداريين ومعلمين ..
ولأن الكتاب يُقرأ من عنوانه ومقدمته ، ولأني من الشغوفين في رصد مكامن الإبداع ، كانت الزيارة الأولى كافية لأكتشف ما ينضح به هذا الصرح التعليمي المنفتح على المجتمع المحيط كما على كل جديد بعالم التربية من اضاءات إبداعية تبدأ من مكتب المدير من طريقة ادارته لمدرسة ثانوية كمن يدير أوركسترا موسيقية متناغمة الأداء ومضبوطة الايقاع وعذبة الألحان ، ولا تنتهي في ملاعب وحدائق المدرسة مروراً بقاعات التدريس ومكاتب الإداريين .
في كل مرة أشد فيها الرحال الى "السفير" لمواكبة نشاط أو مناسبة ، ثمة شعور يلازمني بأنني أمام بيئة إبداعية خصبة ، غزيرة النشاط والإنتاج الثقافي والأدبي والفني والرياضي وبطبيعة الحال العلمي والتربوي ، والذي يجعلك تنغمس تلقائياً في عالم خاص من الإنبهار بهذا "الشلال الإبداعي" المتدفق على مدار عام دراسي كامل، يشع طاقة إيجابية على داخله وعلى زواره وعلى محيطه ويتألق بإبداعات طلابه ، وباستقباله وتكريمه لكبار المبدعين في غير حقل ومجال .. بل اجد نفسي أمام مهرجان حياة لا يتوقف ، ومن "خارج الصندوق" - كما يحب الدكتور سلطان ناصر الدين أن يوصّف الخروج عن النمطي والتقليدي والمعلّب الى الإبتكار واستيلاد الأفكار الجديدة والمتميزة وترجمة الشغف الى انتاج في اي مجال كان - يحلّق عصفور" السفير " في فضاء لا متناه من الإبداع!..
معه لا تعد المدرسة مجرد مبان وملاعب وقاعات تدريس ومناهج تدرّس ، ولا يعد الطلاب معه مجرد متعلمين تتوقف علاقتهم بمدرستهم عند دوام مدرسي او درس او شهادة، بل تصبح المدرسة حاضنة لأحلامهم والساهرة على تنمية مواهبهم وصقل مهاراتهم والتحليق بها خارج الصندوق .. بل تصبح بيتهم الثاني الذي يتمنون لو أنهم لا يغادرونه!.
وما لا ترصده عيناك ، تبوح به لك عيون أهالي الطلاب فخراً بأبنائهم وثقة بالمدرسة التي "بنى فيها كل منهم قصر إبداعه".. وتنبض به اختلاجات قلوب خريجين وهم يغادرون سنتهم الأخيرة فيها بنجاح وتميز يملأهم الفرح والإعتزاز بما زرع كل منهم "على أرض السفير بأنامل الحب من طرق تفكير تليق به" .. ولسان حالهم يحفظ العهد لمدرسة علمتهم "الإنفتاح والحرية والتنوع في الأفكار " وأن "المرء يسمو بالخلق والأدب مثلما يسمو بالعلم والمعرفة " وجعلت أحلامهم "وسع السما".
بعضهم لم تمنعهم مسافات تفصل بين امكنة اقامتهم وبين مدرستهم من الإنتظام في دوامهم المدرسي رغم مشقة الإنتقال .. وبعضهم وجدوا على شاطىء السفير ملاذ مستقبلهم الآمن بعدما كاد واقع الأزمات يغرقهم في بحر اليأس والإحباط .
قيل قديماً : إن سر تميز أية مدرسة ناجحة يكمن أولاً وأخيراً في مديرها.. ولقد نجح مدير "السفير" المُلهَم وعن جدارة في تكريس صوابية هذا القول مضيفاً اليه سراً اضافياً هو العطاء بمحبة .. فالتربية رسالة عطاء تتجدد جيلاً بعد جيل ..
وبابتسامة لا تفارق محياه ، وبسعادة بالغة يجسد الدكتور سلطان ناصر الدين العطاء بمعناه الأسمى ، فيعطي من قلبه وروحه وبفرح كبير وكأنه بذلك يتماهى مع وصف جبران "النبي" للعطاء حين قال " لا قيمة لما تعطيه ما لم يكن جزءاً من ذاتك" و" من الناس من يعطون بفرح وفرحهم مكافأة لهم "!.
رأفت نعيم
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.