لم يعد سرّاً أن التوافق السياسي هو الممرّ الإلزامي لأي إنجاز سياسي أو اقتصادي أو بيئي..
الفكرة ليست جديدة. هذا هو سرّ النظام السياسي اللبناني منذ الاستقلال حتى اليوم. بمعنى آخر، كان التوافق (وما زال) مفتاح تشغيل النظام الذي من دونه لا إنجاز ولا من ينجزون.
في الأيام القليلة الماضية، فوجئ اللبنانيون بحراك غير مسبوق. قليل من الخلافات والسجالات السياسية، وكثير من الاجتماعات المكوكية والمفتوحة والمتواصلة بين يوم وآخر. والعنوان سعي دؤوب لإنجاز خطة الكهرباء خلال أيام، بموازاة الاستعداد لإنجاز الموازنة في الأسبوعين التاليين، وهما ملفّان يمثّلان أولويتين للحكومة كما جاء في بيانها الوزاري، وكما يتردّد على لسان رئيسها على مدار الساعة. وبعد ذلك وضع ملف النفايات على طاولة مجلس الوزراء تمهيداً لمعالجته.
هذا الحراك يحمل جديدين:
الأول: قبول كل مكوناتّ الحكومة بمبدأ التوافق حول هذه الملفات الخلافية (منذ نشأتها).
والثاني: حسن إدارة رئيس الحكومة لهذا التوافق. إدارة مدعومة بإرادة بلغت حد تحذير الجميع من مغبّة تعطيل أي مشروع مطروح في البيان الوزاري: "من يريد أن يقف ويعطّل عملية الانتاج فعليه أن يزيح من الطريق، وإذا لم يفعل فأنا مسّتمر ولو اصطدمت بأيٍ كان".
ربّ قائل أن التسوية الرئاسية بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري لم تفتح الطريق أمام إقرار خطة الكهرباء في الحكومة السابقة، وهذا صحيح. لكن التسوية المذكورة لم تشمل كل الأطراف السياسيين، وبقيت الخلافات سيدة الموقف بين عدد من مكوّنات الحكومة، بمن في ذلك أطراف قامت في ما بينها تفاهمات وتحالفات. فرغم تفاهم معراب" بقيب "حرب الإلغاء" (إعلامياً وسياسياً) حاضرة على طاولة مجلس الوزراء. ورغم "التفاهم الرئاسي" بين الرئيس عون ورئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، بقي طيف "حرب الجبل" حاضراً في مناقشات الحكومة. ورغم "التفاهم السياسي" بين الرئيس عون وعدد من حلفاء سوريا، لم تغب "حرب التحرير" عن بعض أدبيات الطرفين.
أما اليوم، وبعد إنتخابات نيابية أطلق فيها كل هؤلاء الأطراف أطناناً من الوعود لناخبيهم، وأهمّها تأمين التيار الكهربائي 24/24، ومعالجة أزمة النفايات وتحريك الوضع الاقتصادي، وبعد أن التزم كل هؤلاء (قبل الانتخابات) أمام الدول المانحة بمعالجة هذه الملفات ومعها الخطط الإصلاحية اللازمة، وبعد أن تساوى اللبنانيون بالغبن والقلق على المصير وبمواجهة عبء البطالة، عاد "التوافق" ليأخذ مكانه المعتاد بين المتصارعين، وليثبت شرعاً أن هذا "التوافق" هو "العصا السحرية" الوحيدة للإنجاز في لبنان.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.