كتب موقع "بي بي سي": تعد أفغانستان مصدرا لـ 90 بالمئة تقريبا من انتاج الأفيون في العالم. ورغم أن زراعة الأفيون محظورة قانونيا في أفغانستان، ارتفع انتاج هذه المادة بشكل كبير في السنوات الـ 15 الأخيرة إلى درجة جعلتها تصبح جزءا مهما من الإقتصاد الأفغاني. كما تستفيد حركة "طالبان" ماديا من هذه التجارة، فبالنسبة لكثير من الأفغان العاديين تعد زهرة الخشخاش (التي يستخلص منها الأفيون) مصدرا ماليا مهما يعينهم على تحمل نفقات الحياة.
ويروي مراسل "بي بي سي" عاوليا أطرفي ملاحظاته عن موسم حصاد الأفيون في جنوبي أفغانستان كما يلي:
ينتشر المئات من الشباب - الذين يعرفون بالـ"جانون" أو "اللساعين" في أرجاء البلاد للمساعدة في جني محصول الأفيون. كما يأخذ كثير من المهنيين إجازات من أعمالهم اليومية، ولذا قد تجد على ظهر جرارا قرويا استاذا وتلاميذه، أو صاحب متجر أو موظفا حكوميا - كلهم يشاركون في مناسبة سنوية تغير البلاد تغييرا جوهريا.
يعد "الجانون" القلب النابض لعملية الحصاد. فهؤلاء الشباب لا يصطحبون معهم الكثير من الأمتعة، ويمكن التعرف عليهم بسهولة إذ أنهم لا يحملون إلا حقيبة واحدة محمولة على الظهر. ومن أجل تفادي الاحتكاك مع الشرطة، يرتدي كثير من هؤلاء كل ملابسهم على ظهورهم، ويعدون بذلك أكثر القوى العاملة في العالم خفة وسرعة. وحالما يصل هؤلاء إلى الأرياف، ينتقلون من مزرعة إلى أخرى على شكل مجموعات بحثا عن أكبر زهور الخشخاش وأفضل العقود. "العمل في حقول الخشخاش عمل شاق وممتع في الوقت نفسه، ولذا توفر النسوة في المنازل الريفية ثلاث وجبات غنية لنحو 30 عاملا تشمل لحم الغنم والخبز الأفغاني واللبن".
وبعد فراغهم من الأكل، يلجأ جامعو الخشخاش إلى الغناء والرقص ورواية القصص. ولكنهم يوقظون ثانية في الثالثة فجرا.
وفي الظلام، يستخدمون مصابيح لتفقد ما أنجزوه في اليوم السابق، إذ يجري من الخدوش التي عملوها في بصلات الخشخاش سائل الأفيون على شكل قطرات بحجم الدموع الكبيرة. باستخدام أداة أخرى (التارياكاي) يقومون باستخلاص هذا العصير. وبينما ينهمكون في العمل، تتلألأ أنوار مصابيح العمال الآخرين في الحقول المحيطة. يبلغ عدد هؤلاء من الكبر بحيث يعطي انطباعا بسماء مليئة بالنجوم ولكنها مقلوبة رأسا على عقب.
وكما العمل في مناجم الذهب، لا يذهب أي شيء سدى. فالشبان الصغار يقتفون أثر الجانين ويجنون ما تبقى من أفيون. وباستمرار العمل، تصبح ملابس الجانين لزجة جراء الأفيون، ولذا فهم يغسلونها بالماء البارد في قدر كبير ويجمعون ما يترسب من أفيون. يعتمد ما يحصل عليه الجاني على كفاءة فريقه وجودة الخشخاش. فعشرون كيلوغراما من الأفيون الصافي لكل شخص يعد عائدا جيدا، بينما يعد كيلوغرامان من الأفيون عائدا سيئا.
تنتعش الأسواق لبرهة، قبل أن يعود الفقر ليهيمن على الموقف ثانية. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يشاركون في عملية قطف الخشخاش، هناك أمل في الأفق: فالمحصول القادم سيأتي بعد الشتاء مباشرة.
يمر الأفيون الأفغاني، في طريقه عبر ممر البلقان، في إيران من خلال الحدود الطويلة وغير الآمنة الفاصلة بين البلدين. وخلق الأفيون مشكلة إدمان كبيرة في إيران، التي يستهلك فيها نحو مليوني إيراني هذه المادة بشكل مستمر. وتعد غولي، البالغة من العمر 33 عاما، والتي تعمل في مجال الإحصاء في مدينة مشهد، واحدة من هؤلاء: كنت أبلغ من العمر 14 عاما عندما توفيت جدتي وبدأت والدتي باستخدام الأفيون. كانت تشعر بالكآبة وكان العديد من أفراد أسرتنا يستخدمون الأفيون، ولذا بدا الأمر حلا يسيرا بالنسبة لها. تزوجت عندما كنت في الثالثة والعشرين من عمري، وبعد سنة واحدة بدأت أعاني من آلام مبرحة في البطن. راجعت العديد من الأطباء، ولكنهم لم يتمكنوا من العثور على أي داء. وفي زيارة إلى منزل والدتي عرضت عليّ أن أدخن الأفيون. خفف الأفيون من الآلام التي كنت أشتكي منها وشعرت بالانتشاء. تلك كانت البداية. كانت لي أيضا مشاكل زوجية، حيث كنت أشعر بالوحدة وغياب مشاعر الحب، ولذا بدأت في سرقة الأفيون من والدتي وكنت أدخنه في البيت. وعندما عرف زوجي بذلك، نقلت إلى عيادة. لم أكن أستخدم جرعات كبيرة، ولذا لم يوصف لي عقار الميثادون، بل حولوني إلى عيادة مختصة بعلاج الكآبة. ولكن ذلك لم يجد نفعا، وواصلت استخدام الأفيون. عشت لوحدي لبرهة، ولكن مع زيادة حدة الادمان ما كان لي من خيار الا الانتقال إلى منزل والدتي. لم ندخن الأفيون سوية إلا قليلا، فقد كنت أشعر بالخجل الى درجة إلى أنني لم أكن أرغب في أن يراني أحد. كانت والدتي تعيش لوحدها أيضا، بعد أن ترك والدي المنزل عندما بدأت تدخن الأفيون. فهو لا يقيم معنا، ولكنه يشتري لنا الأفيون ويجلبه لنا كيلا نضطر إلى الخروج الى الشوارع بحثا عنه. حاولت الإقلاع عن الأفيون عدة مرات، وراجعت العديد من العيادات، ولكني كنت أنتكس كلما عدت إلى منزل والدتي. لدي أخوة وأخوات متزوجون ومستقلون، وأنا المدمنة الوحيدة بينهم. أشعر بخجل، ولا أستطيع النظر إلى عيني شقيقتي. ليس لي أي استقلال مالي، وأشعر بأني مخنوقة ومحاصرة.
يصل 80 في المئة من الأفيون الأفغاني إلى أوروبا عبر تركيا، معظمه من خلال إيران. وتنفق تركيا عشرات الملايين من الدولارات في محاولة لوقف هذا التدفق. مدينة فان والقرى المحيطة بها الواقعة على الحدود التركية الإيرانية تتمتع بشهرة واسعة في مجال تهريب الأفيون. وضباط مكافحة المخدرات من أمثال مصطفى كوجال وكورسات باسير يواجهون معارك يومية تتسم بالحدة البدنية والعقلية والعاطفية.
المنخرطون في تجارة المخدرات يستغلون القرى في هذه المنطقة، ويبحثون عن سكان محليين مستعدين للسماح لهم باستخدام مساكنهم كملاذات آمنة. فالبيوت والمخازن والزرائب كلها تستخدم لخزن المخدرات. الأرياف هنا شاسعة جدا، ولذا علينا التعاون مع وحدات من المخابرات.
عندما تنجح عملية استغرق الإعداد لها عدة شهور بما في ذلك دراسات تقنية ومراقبة فعلية، تشعر بالفخر وكأنك من شخوص قصص أبطال مارفل. هذه المهمة تضرب في الوتر الحساس، وترفع من مستوى الألم الذي تتحسسه، وهذا مصدر مهم للتحفيز، ليس في مجال العمل فقط بل للحياة بشكل عام.
تتوقع الأمم المتحدة، عقب الحصاد القياسي للأفيون في أفغانستان في عام 2017، أن تتدفق كميات كبيرة من الأفيون زهيد الثمن إلى الأسواق. بما في ذلك في بريطانيا. وكما هو الحال في العديد من المدن البريطانية الأخرى توجد في مدينة ويستون سوبر مير جنوب غربي انكلترا عدة مراكز مخصصة لمساعدة المدمنين على المخدرات. وتمكن ليسلي تشاندلر من التغلب على إدمانه والعودة إلى بناء حياته ثاتية في واحد من هذه المراكز. فقال "تعرضت للعديد من الحوادث منها حوادث مميتة. فقد كدت أن أهلك عندما سقطت من شرفة. وأدى ادماني على المخدرات إلى وصولي إلى أماكن لم أرغب في الوصول اليها، كالسجن وردهات الأمراض النفسية كما أدى إلى محاولتي الانتحار مرتين". مضيفا "بدأت في استخدام الهيروين عندما كنت في الـ 15 من عمري، وكنت في الـ 13 قد بدأت في استخدام أنواع أخرى من المواد المخدرة. كنت اختلط بأناس يكبروني في السن كانوا يستخدمون الهيروين، ولذا انجرفت في هذا التيار. فقد شعرت حينها بأني أنتمي لشيء ما ومجموعة ما بعد أن كنت أشعر بالضياع. لم أكتف باستخدام الهيروين، بل انتقلت إلى أنواع أخرى من المواد المخدرة "الترفيهية"، كالـ LSD والحشيش والكحول. وتطورت الأمور أكثرا فأكثر. دخلت في علاقة وتزوجت مبكرا، ولكن الزواج انتهى بعد سنوات ومن ثم تدهورت الأمور بشدة".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.