داخل أسوار مبنى "الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية" المتواضع نحو 75 موظفا يعملون في هدوء يتعارض مع زحمة المحيط على طريق المطار، حيث الأدوار موزعة بعناية بعيدا عن الترف والاستعراضات ، وإنما في صلب المشاريع الدولية الكبرى التي تنفذ باحترافية وشفافية بما ينعكس إيجابا على سمعة الالتزامات اللبنانية بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالإستخدام الآمن والمأمون والشفاف للمصادر المشعة،.وقد ترجمت بأخذ وكالة الطاقة الذرية على عاتقها، من خلال برامج التعاون التقني الوطني والإقليمي، منذ تأسست الهيئة في العام 1996 بتجهيز 15 مختبراً متخصصاً وتدريب العلميين العاملين فيهم، الأمر الذي جنب الدولة اللبنانية إنفاق الملايين في شراء ماكينات باهظة الثمن تكاد تتفرد بها الهيئة في المنطقة باستثناء تركيا، ليغدو رصيد لبنان مدعوما من "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
ويُضاف الى ذلك الدعم الذي تتلقاه الهيئة من قبل عشر دول عربية منضوية ضمن مجلس أمناء الاتفاق التعاوني للدول العربية الواقعة في آسيا للبحث والتطوير والتدريب في مجال العلم والتكنولوجيا النوويين(عراسيا)، وقد جددت الاخيرة لمدير الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية التابعة للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور بلال نصولي، ليرأس للمرة الثانية على التوالي مجلس «عراسيا»، لما أثبتته الهيئة في السنوات الخمس الأولى في إدارتها لهذا الملف من جدية في التعاطي لجهة وضع المبادئ التوجيهية لآليات طرح المشاريع وتنفيذها بفعالية.
يوجز نصولي الطريق الى النجاح في إدارة أي مشروع، هو الذي جرى تكليفه أخيرا برئاسة الهيئة الوطنية لتنفيذ التزامات لبنان تجاه الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمواد CBRN وإدارة ومواجهة مخاطر أسلحة الدمار الشامل ومركزها السراي الحكومي وترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء وتعمل بإشرافه، بأن تكون الخطط تحاكي الحاجات والأولويات على المستوى الوطني وأن يكون العاملين يتمتعون بحرفية ومناقبية عالية وبمهنية لا تقل عن مهنية أقرانهم العاملين في مؤسسات البحث العلمي والتطوير المرموقة، وأن يكون ولاء الباحث للسياسة العلمية للهيئة وسعيه الدائم وراء تحقيق الأفضل لبلده.
ويلفت نصولي ل "مستقبل ويب" إلى أن غالبية العاملين في الهيئة هم من "حملة الدكتوراه ومن حملة الدرجات العلمية الرفيعة الذين يعملون بأقصى طاقاتهم وحتى أكثر في إدارة معظم الملفات بحيث تحدد الكفاءة وحدها الوظيفة والإندفاع في العمل والتفاني في القيام بالمهام الموكلة إليهم وبالإسلوب نفسه الذي اعتمده الرئيس الشهيد رفيق الحريري لدى تعيين نصولي، إذ سأله:" ما المطلوب منا حتى يكون لبنان بين أكثر الدول العربية المتقدمة في مجال الطاقة الذرية؟"،وهو السؤال الذي يطرحه نصولي على كل من يتقدم للعمل في الهيئة من أجل أن يكون الهدف الدائم ليس الوظيفة فحسب وإنما البحث عن سبل منافسة عالميا.
وفي إطار تلافي الإزدواجية وتوحيد الإجراءات، يثني نصولي على القرار الذي اتخذه الرئيس سعد الحريري بإنشاء الهيئة الوطنية الإستشارية ، والتي تضم 20 عضواً من مؤسسات وأجهزة الدولة الأمنية والحكومية. والتي تعنى بكافة الأمور المتعلقة بالمواد CBRN وبأسلحة الدمار الشامل وتنفيذ الإتفاقيات والقرارات ذات الصلة وتعزيز القدرات الوطنية، لا سيما ضمن أطر التشريع والمنع والكشف وتقييم المخاطر والتهديدات والمجابهة والتي تعنى بوضع أطر عملية للتعاون والتنسيق بين الإدارات والوزارات المعنية وتشكل هذه الهيئة منصة للتعاون مع المنظمات الدولية ذات الصلة ومع الجهات المانحة لتمويل البرامج المنبثقة عن الخطط التي تضعها. وقد أسهم هذا القرار في إظهار مدى إلتزام لبنان وتعاطيه بشفافية وحرفية مع الوكالات والمنظمات الدولية المعنية، الامر الذي انعكس إيجاباً على المؤتمر الاخير الذي عقد في السراي الحكومي، وضم وفدا فرنسيا رفيع المستوى وخبراء لبنانيين من مختلف الوزارات والأجهزة المعنية، وخلص الى "كارت بلانش" فرنسي بتقديم الخبرات والخبراء والدعم المالي المطلوب.
عن العقدة من "النووي" المرتبط في الأذهان ب"هيروشيما" و"ناجازاكي"، يوضح نصولي بأن 99 بالمئة من استخداماته هي لأغراض سلمية علمية وصحية وبيئية وصناعية وزراعية ، لافتا الى أن الهيئة نجحت في تخليص لبنان مجانا من نفايات المواد المشعة المستخدمة في المستشفيات :"في لبنان 48 مادة مشعة خطرة، منها 30 تستخدم في المستشفيات لمعالجة السرطان، وبتطور العلم والابحاث استغنت المستشفيات عن تلك المواد لصالح تقنيات جديدة الامر الذي سهل شحن 28 من أصل 30 الى بلد المنشأ ، وقد استغرقت المهمة نحو عشر سنوات بالتعاون مع وكالة الطاقة الذرية وبتمويل منها" .
وفي جانب الارهاب المستشري في العالم، يسلّم نصولي بالخطر الكبير الناجم عن وفرة المعلومات المعروضة على شبكات الانترنت لجهة كيفية إستخدام المواد CBRN لتصنيع قنابل قذرة وفتاكة، وقد شهدت سوريا والعراق عشرات الحالات الناجمة عن إستخدام المواد الكيميائية إضافة الى دول أجنبية تحولت فيها أساليب القتل من الحروب الى ذرات نووية تكون قاتلة للهدف، تماما كما حصل مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وغيره من الامنيين والعلماء والرؤساء من حول العالم.
يختم نصولي:"في ظل المخاطر وتماشياً مع إلتزاماتنا الدولية لا بد من الإحاطة بالمهام المطلوبة كافة وتعزيز التنسيق والتعاون بين الأجهزة المعنية والعمل بالسرعة والفعالية اللازمتين لتعويض ما فات من وقت واللحاق بالدول التي سبقتنا بأشواط في منظومات الحد من مخاطر المواد CBRN في منطقتنا والعالم".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.