18 تشرين الأول 2023 | 13:29

هايد بارك

إبادة جماعية في غزة.. أين القانون الدولي؟ -زياد ضاهر

إبادة جماعية في غزة.. أين القانون الدولي؟ -زياد ضاهر

كتب زياد ضاهر:

ما شهدته غزة منذ أكثر من عشرة أيام يندرج في خانة الإبادة الجماعية، بدليل مجزرة المستشفى المعمداني التي ذهب ضحيتها مئات الشهداء، وبينهم موظفون دوليون ينتمون إلى مؤسسات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والأمم المتحدة.تتعرض غزة للإبادة الجماعية على مرأى ومسمع عالم عاجز عن وضع حد لآلة القتل الإسرائيلية التي لم تحترم يوماً القوانين الدولية ولا الأخلاقيات الإنسانية. الحرب لها قواعد نصّت عليها إتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها التي شكّلت مضمون القانون الدولي الإنساني، وذلك بهدف الحد من همجية الحرب وحماية من لا يشاركون فيها من المدنيين ومن توقفوا عن المشاركة فيها من جرحى وأسرى الحرب. يرتكز القانون الدولي الإنساني على مبادئ عدة لم تحترمها إسرائيل: أولاً؛ مبدأ التمييز بين المدنيين والمقاتلين ومبدأ حظر مهاجمة أولئك العاجزين عن القتال (أي أولئك الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية مثل أولئك الذين كانوا يُعالجون في المستفى المعداني أو لجأوا إليه للإحتماء به بوصفه مكاناً آمناً) حيث أظهرت عمليات القصف التي تناقلتها وسائل الاعلام استهداف المناطق السكنية وتدمير أحياء بكاملها ومثلها مستشفيات ومدارس ومساجد وكنائس من دون أي تمييز بين مواقع عسكرية أو مدنية. ثانياً؛ مبدأ حماية الضحايا وحظر التسبب بالمعاناة، فقد قرّر وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت يوم الإثنين 10 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فرض “حصار شامل” على غزة، قائلًا: “لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود للقطاع”، وفق القناة “13” العبرية. عدا عن قطع الانترنت ومنع وصول المساعدات الطبية والغذائية وأولها قافلة المساعدات المصرية التي تعرضت للقصف من قبل الطيران الحربي الإسرائيلي على معبر رفح وعادت أدراجها. وقد أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بصفتها الراعية للقانون الدولي الإنساني سلسلة بيانات حول الأزمة الناشئة في غزة أشارت فيها إلى التجاوزات الحاصلة لقواعد قانون الحرب ومبادىء القانون الدولي الإنساني، كما أنها كانت قد نبّهت إلى خطورة الأوضاع قبل نشوب الأزمة الأخيرة. وفي إحدى المنشورات على تطبيق “إكس” (تويتر سابقاً) عرضت بعض الأرقام عن واقع قطاع غزة: يوجد مشفى واحد لكل 129000 شخص. تنقطع الكهرباء 20 ساعة يومياً. تتخطى البطالة نسبة 47%. أكثر من 70% من السكان بحاجة إلى المساعدات الإنسانية في غزة، وتصبح الحياة كابوسًا مع استمرار إغلاق كل المنافذ.

تعتبر لجنة الصليب الأحمر الدولي الجهة الوصيّة على القانون الدولي الإنساني، التي ساهمت تاريخياً في تطوير الاتفاقيات التي تحمي المدنيين في وقت الحرب والتي تبلورت من خلال مقررات مؤتمر جنيف بتاريخ 21 نيسان/أبريل 1949 الذي شارك فيه 64 بلداً حيث تم إعتماد الاتفاقيات التالية: اتفاقية جنيف الأولى لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان. اتفاقية جنيف الثانية لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار. اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب. اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية السكان المدنيين في وقت الحرب. حدّد البروتوكولان الإضافيان في العامين 1977 و2005، مجموعة من مبادئ وقواعد إنسانية يجب على البشر مراعاتها في زمن الحرب حتى تجاه العدو للحد من إستخدام العنف اثناء النزاعات المسلحة. تقضي القاعدة الأساسية بالتمييز في جميع الأوقات بين السكان المدنيين والمقاتلين، وبين المنشآت المدنية والأهداف العسكرية، ومن ثم توجيه العمليات ضد الأهداف العسكرية دون غيرها (البروتوكول الإضافي الأول/المادة 48). كما أنها تحظر الهجمات العشوائية في المواد 51 و57 و58 وتؤكد على عدم إستهداف المدنيين وإتخاذ كافة الاحتياطات لتقليل الخسائر والأضرار بين المدنيين. يحظر القانون الدولي الإنساني في المادتين 54 و55 استهداف المدنيين بالتجويع أو استهداف المنشآت المدنية ويحظّر أيضاً من حرمان المدنيين من الماء و الكهرباء والوقود وكافة الاحتياجات الأساسية التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة. أما المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة، فقد نصت على تأمين الممرات الآمنة لوصول جميع الأدوية والأغذية والمهام الطبية إلى المدنيين حتى لو كانوا ينتمون إلى الطرف الآخر (الخصم)، الأمر الذي ترفضه إسرائيل حتى الآن بعد أن قامت بقطع المياه والكهرباء والوقود، حيث شكل ذلك استهدافاً للمدنيين وتعريضاً لحياتهم للخطر إن لم يكن بالقصف فبالجوع والعطش وعدم تلقي الرعاية الصحية اللازمة للمرضى وللجرحى. ثالثاً؛ مفهوم الممرات الإنسانية لجهة إمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى منطقة فيها حرب عن طريق المنظمات الإنسانية كالصليب الأحمر الدولي. فاتفاقيات جنيف للعام 1949، وهي المرجع الأساس للقانون الإنساني، تُلزم الدول في زمن الحروب الدولية ببعض الواجبات؛ فالمادة 23 من الاتفاقية الرابعة تطرح مبدأ «حرية مرور المساعدات المتضمنة الأدوية والمواد الصحية والأغذية والثياب، للسكان المدنيين». لا شك أن إسرائيل لا يحق لها منع الممرات الإنسانية ولا تملك سيادة على غزة ليكون قرار فتح الممرات الإنسانية يتطلب موافقتها كما حصل مع دول أخرى شهدت أزمات على أرضها وضمن إقليمها. أما في حالة قطاع غزة فالمسألة تتعلق بعدوان يقوم به الطرف الإسرائيلي على قطاع غزة الذي هو جزء من الدولة الفلسطينية ويتعرض للحصار منذ 15 عاماً.

ماذا عن الوضع القانوني لقطاع غزة؟ بعد إتفاق أوسلو عام 1993 شكَل قطاع غزة جزءاً من الأراضي الفلسطينية الخاضعة لادارة الحكم الذاتي المناط بالسلطة الوطنية الفلسطينية التي نشأت عام 1994 عقب اتفاق غزة-أريحا. وفي العام 2005، أي بعد الإنتفاضة الثانية، إنسحبت القوات الإسرائيلية من غزة من جانب واحد وبذلك توسعت صلاحيات السلطة الفلسطينية لتشمل القطاع بكامله، مع احتفاظ القوات الإسرائيلية بالسيطرة على نقاط العبور والمجال الجوي والمياه قبالة ساحل قطاع غزة. وفي 2007 فرضت القوات الإسرائيلية حصاراً على القطاع يستمر إلى يومنا هذا. إكتسبت فلسطين الشخصية الدولية من خلال الاعتراف بها كدولة، بصفة عضو مراقب، بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67 /19 تاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2012‏. بذلك يصبح الاعتداء على السلطة الفلسطينية في إطار تمثيلها الشعب الفلسطيني خرقاً للقانون الدولي. هو إعتداء من دولة على دولة أخرى، وفي إطار تحديد الحدود الجغرافية للسلطة الفلسطينية، فالحد الأدنى المتفق عليه هو الذي أقرته الاتفاقيات الدولية ابتداء من أوسلو، أي الضفة الغربية وقطاع غزة. وقد أجرى موقع “دويتشه فيلّه” حواراً باللغة العربية مع البروفسور جورج نولته، أستاذ القانون الدولي بجامعة ميونيخ. يرى نولته أن قطاع غزة ليس جزءاً من دولة إسرائيل، “وهو لم يكن يوماً كذلك، فضلاً عن أن إسرائيل لم تعتبره منطقة تابعة لها.” غير أن قطاع غزة محتل من قبل إسرائيل منذ 1967. ومن المعروف عن مصطلح “الاحتلال” أنه يعني سيطرة دولة ما عسكرياً على منطقة ما هي ليست جزءاً من أراضيها. قطاع غزة سيظل محتلاً حتى بعد انسحاب الوحدات العسكرية الإسرائيلية. لكن سيختلف تقييم الوضع كثيراً في حال منح سكان قطاع غزة منفذاً حراً عبر الحدود مع مصر، حسب رأي أستاذ القانون الدولي. خرق قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني شكّلت مواقف الدول ذات النفوذ مخالفة للقاعدة 144 من قواعد بيانات القانون الدولي الإنساني في مجال كفالة إحترام الجميع للقانون الدولي الإنساني والتي نصت على أنه “يجب ألا تشجع الدول انتهاكات القانون الدولي الإنساني من قبل أطراف النزاع المسلح. ويجب أن تمارس نفوذها، إلى الحد الممكن، لوقف انتهاكات القانون الدولي الإنساني” فمن باب المسؤولية الدولية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين والحد من التوتر في مجال العلاقات الدولية كيف يمكن أن نفسر مواقف العديد من الدول الكبرى في تخليها عن دور الوسيط النزيه الذي لطالما كان سبباً في الحد من التوترات الدولية ومنع تفاقم العديد من الأزمات الدولية. القانون الدولي الإنساني حقيقة موجودة كما أن تاريخ إسرائيل في خرق القوانين الدولية حقيقة جلية تثبتها دماء الأبرياء ومآسي العوائل الثكلى والدمار الشامل الذي تسببت به الآلة العسكرية الإسرائيلية. كما أن الحقيقة الثابتة والمؤسفة تتمثل في عجز المجتمع الدولي عن الزام إسرائيل تطبيق القوانين الدولية وعدم محاسبتها.


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

18 تشرين الأول 2023 13:29