دعت دولة الإمارات العربية المتحدة، الأربعاء، في بيانها أمام مجلس الأمن بشأن القضية الفلسطينية إلى الحَيلولة دونَ انزلاق المنطقة في حربٍ إقليمية ستطال تداعياتها العالم أجمع، مشددة على ضرورة تحقيق سلامٍ دائم في المنطقة عبر إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي الفلسطينية والعربية.
وسلط بيان الإمارات الذي ألقاه خليفة شاهين، وزير دولة، الضوء على الكارثة الإنسانية التي يعانيها القطاع حالياً قائلاً: «في مساحة لا تتجاوَز 365 كيلومتراً مربعاً، يَتَعرَّض أكثر من مليونَي فلسطيني في قِطاع غزة لهجوم إسرائيلي، لا يُراعي القِيَم الإنسانية ولا يلتزِم بالقوانين والأعراف الدولية، حيث قُصِف أكثر من 15000 هَدَفٍ في هذه المساحة الصغيرة راح ضَحِيتَهُ وفقاً للأمم المتحدة أكثر من 14000 فلسطيني – مُعظَمُهم من الأطفال والنساء، ولم يَسْلَم منهُ لا الطواقِم الطبية ولا الصحفيون ولا العاملون في الجِهات الإنسانية، ممّا حَرَّك ضمائِر العالم بشكلٍ مُنقَطِع النظير».
وأكد بيان الإمارات أن مشاهدَ الدمار الكامل في غزة مُفْزِعة، وتكشف عن كارثة إنسانية غير مسبوقة، حيث سُوِّيَت أحياءٌ سكنية كاملة بِمَا فيها من الأرواح بالأرض، ودُمِّر 60% من الوَحَدات السكنية، وأكثر من 300 مِرفَق تعليمي، فيما يقف الناس في طوابير طويلة أمَلاً بالحصول على رغيف خُبز أو قَطَرات من المياه، في ظل منع المساعدات الإنسانية من الوصول إلى غزة، باستثناء ما يُعتبَر «قطرةً في بحر» الاحتياجات
كما أشار البيان إلى معاناة الجَرحى والمرضى الفلسطينيين في المستشفيات، موضحاً أنهم سُلِبوا حقَّهُم في الحصول على الرعاية الصحية بسبب استهداف إسرائيل المتَعَمَّد وغير المقبول للمستشفيات والمنشآت الصحية، وإخلائها قسراً وقطع الوقود والمستلزمات الطبية عنها، فانهارَ القِطاع الصحي، وبُترَت أطراف الأطفال دون تخدير، وأُخرِجَ الخُدَّج من الحاضِنات، وماتَ مرضى العناية المشددة، لتتحول هذه المرافق إلى مقابِر لمن فيها.
وأضاف البيان: «اضْطَرَّ مئات الآلاف للنزوح قسراً من شَمال غزة إلى جنوبِها، وسَط ظروفٍ بالغة الصعوبة والخُطورة، ودونَ أي مكانٍ آمِن يلجؤون إليه، في مشهدٍ مؤلم يُذكرنا بنكبة عام 1948. إنَّ بلوغ نسبة النازحين في غزة حوالي 80% منذ بدء العدوان، يتواجد منهم أكثر من مليون في مَرافِق الأونروا، يجسد مدى كارثية الوضع، خاصةً مع الشُّح الكبير في الامدادات الإغاثية».
وجددت الإمارات إدانتها وبأشد العِبارات سياسة العِقاب الجماعي الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، ومحاولات تهجير الفلسطينيين التي ترفُضُها جُملةً وتفصيلاً، مشددة على أن مستقبل غزة وإدارتُها يجب أن يظلا بيد الشعب الفلسطيني، ولا يمكن القبول بأية فرضيات أو مخططات تسعى لفصل القِطاع عن دولة فلسطين.
كما شددت الإمارات على ضَرورة اعتماد المجتمع الدولي معايير واحدة من حيث إدانة انتهاكات القانون الدولي الإنساني، ومنها القصف العشوائي للمدنيين والأعيان المدنية ومَرافِق الأمم المتحدة، فالكيلُ بمكيالين حَيال هذه المسائل يخلق الفوضى في نظامِنا الدولي الذي يجب أن يظَلَّ قائماً على احترام القوانين الدولية، وميثاق الأمم المتحدة، لصون السلم والأمن الدوليين.
ورأت الإمارات، أن الهُدنة التي توصل إليها طرفي الصراع الأسبوع الماضي لوقف إطلاق النار لأربعة أيام وإدخال مساعدات محددة مع تبادل الأسرى من الجانبين، ومن ثم تمديدها ليومين آخرين، تمثل بادرةَ أمل يجب البِناء عليها، داعية إلى السماح بتوسيع نطاق المساعدات الانسانية، ومواصَلة تمديد الهُدنة لإتاحة الوقت والمجال الكافيين للأنشطة الإغاثية المهمة كإخراج آلاف العالقين تحت الرُكام، مع العمل في الوقت ذاتِه للتوصل إلى وقفٍ فَوري ودائم لإطلاق النار.
وأعربت الإمارات عن تقديرِها للجهود القَطرية والمصرية والأمريكية الحثيثة في التوصل لهذا الاتفاق ودعمِ تنفيذِه، وكذلك في التعامل مع إحدى أصعب الأزمات التي تمر بها المنطقة، مؤكدة أهمية ضمان التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2712، والذي يطالب جميع الأطراف باحترام التزاماتِها بموجب القانون الدولي، ويدعو إلى هُدَن إنسانية عاجلة وممتدة وإلى إطلاق سراح المحتَجَزين دونَ شروط، مشددة على أهمية وضع آليات لمراقبة تنفيذ القرار على نحوٍ فعال.
كما دعت الإمارات إلى العمل على تحسين آليات إدخال المساعدات إلى غزة عَبرَ كافة الطرق والمعابر وعلى نحوٍ آمِن ودائم ودونَ عوائق وبالكميات التي تناسب حجم الاحتياجات على الأرض، وضمان توزيعِها للمحتاجين، دونَ أية قُيود أو تأخير، مشيدة في هذا الصدد بجهود مصر في تيسير معبر رفح من لإدخال المساعدات، وإتاحة خروج المرضى والمصابين والرهائن وغيرِهِم من المدنيين.
وأكدت الإمارات أنها لم تألُ جُهداً للوقوف بجانب الشعب الفلسطيني في أصعب الِمحَن، حيثُ بدأت قبل عدة أيام إدخال المواد اللازمة لإنشاء مستشفى ميداني في غزة بإشراف فريقٍ طِبي إماراتي. كما استقبلت دفعات من الأطفال في مستشفياتها كجزء من مبادرتِها لاستضافة ألف طفل مع عائلاتِهم لتلَقّي الرعاية الصحية اللازمة، إلى جانب استضافة ألف فلسطيني من مرضى السرطان. كما قدمت الإمارات مساهمات عدة لوكالة الأونروا، وأطلقت حملة شعبية لدعم المتضررين في غزة جمعت أكثر من 1600 طن من المواد الاغاثية التي تم ايصالها للعبور الى القطاع.
كما سلط بيان الإمارات الضوء على الأوضاع المقلِقة في الضفة الغربية والقدس الشرقية، موضحة أن هذه المناطق تشهد عُدواناً اسرائيلياً متصاعداً منذ مطلع هذا العام، راح ضحيتَهُ أربعمئة فلسطيني، فالاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى أصبحت بمثابة أمرٍ معتاد للجماعات المتطرفة تحت حماية السُلُطات الإسرائيلية، ووصل عنف المستوطنين ذروتَهُ، وباتَ يتخذ أشكالاً أكثر خطورة وحِدّة، فيما طالَ القصف مخيمات اللاجئين في جِنين ونابلس وغيرها، وذلك في الوقت الذي تُواصلُ فيهِ إسرائيل بناء وتوسيع المستوطنات التي تقطع أواصِرَ المجتمعات الفلسطينية وتنتهِك القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن.
وطالبت دولة الإمارات بوقف جميع الممارسات غير الشرعية الإسرائيلية فوراً، مؤكدة أيضاً أنَّ حالة الغليان الراهنة لا تحتمِل مزيداً من الخُطُوات الاستفزازية والخِطابات المحَرّضة على العنف والكراهية، فأمنُ كِلا الشعبين والمنطقة في الِمحَك.
وطالبت دولة الإمارات المجتمع الدولي بتسريع العمل على إعادة إحياء الأمل بإمكانية التوصل إلى حلٍ سياسي عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية، عَبرَ العمل من الآن على تهيئة الظروف الملائمة لاستئناف مفاوضات جادة، تستند الى المرجعيات المتفق عليها لتحقيق حل الدولتين، بحيث يتم البدء في تنفيذ هذه الخُطُوات فَوْرَ التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار.
وشددت الإمارات على أن تحقيق السلامٍ الدائم لن يكون ممكناً دونَ إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي الفلسطينية والعربية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل في أمنٍ وسلام واعتراف مُتبادَل.
ودعا البيان في الوقت نفسه إلى الحَيلولة دونَ انزلاق المنطقة في حربٍ إقليمية تطال تداعياتها العالم، إذ يجب وقف المناوشات الجارية في جنوب لبنان والجولان السوري والبحر الأحمر، داعية إلى عدم ترك المنطقة رهينة الأزمات والنزاعات، إذ تستحق شعوبها العيش بأمنٍ واستقرار، ويتطلع شبابها لمستقبلٍ أفضل، مؤكداً عزم الإمارات على الدفع نحو ذلك.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.