مازن عبّود – اوكسيجين النهار
نعيش في شرق يتنفس ماورائيات تشكل عقائدا سياسية تقوض جودة الحياة وانتظام السوق. والهدف من الأديان ضبط الحياة لضمان جودتها. ملكي-قوشت الذي سيحرر الأرض من ملاك الشر يرشاع انتقل من العبرانيين الى اليهود كي يبلغ ادياننا. كل ينتظر نسخته من ملكي-قوشت الذي سيواجه يرشاع الاخر. يا ليت امرام ملك الكنعانيين لم يشاهد هذه الرؤية!
وكلّ يعمل لقدوم الديّان الذي سيرأس العالم (ملكي-قوشت) وينتقم من يرشاع واخصامه. عمليا يصير الانسان تفصيلا في استدامة معركة طويلة. تزول فرادته ومعناه. فتصير البطون تنتج ما تستهلكه المعارك. الازمة في فهم وعسكرة ماورائيات الأديان. الازمة في اهمالها للحاضر. توظيف هذا الفهم لخدمة اسرائيل أدى الى توظيفه عندنا.
لكن هدف الدين انتاج بشر أفضل لعالم أفضل. وغالبا ما يستعمل لتقويض الحياة ورفاه البشر. يستثمر فيه الأقوياء لإحكام السيطرة على الموارد. الازمة انّ جودة الحياة ورفاهها حاضرا لا يعني. مما عزز ويعزز استدامة الحروب اليوم لتعزيز الكسب مستقبلا.
تتكلم CHIBANDA (2024PS.) عن عشرات الملايين الذين أضحوا عُرضة لخطر الانتحار جراء التصدعات الجيوسياسية الأخيرة التي ابتدأت في اوكرنيا ولم تنته في غزة. فأكثر من 25% من سكان العالم يعانون من العزلة الاجتماعية والوحدة، بينما يموت أكثر من 150 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً بسبب الانتحار سنويًا. الصحة النفسية جراء ما يجري لا تحتل مقاما رئيسا في انظمتنا الصحية. وذلك بالرغم من انعكاساتها الاقتصادية من بوابة كلفة الاعتلال الذي هو كلفة استشفاء وكلفة الغياب والانتاجية في مكان العمل والكلفة غير المباشرة على افراد البيت، وكلفة الموت الذي يحتسب بصافي القيمة الحالية للمداخيل المستقبلية. لبنان خرج منهكا من ازمة ثلاثية الابعاد (كوفيد 19 والثورة والانهيار). مما ادى الى تداعي صحة شعبه النفسية. ونحن اصلا نعيش في القلق من نشوب اي صراع او حرب او ازمة. معالجة الازمة يتطلب مواردا ووعيا. الخوف من انتشارا المخدرات وتفكك العائلات يتزايد.
عالميا واحد من كل خمسة بالغين يعاني، في وقت من الأوقات، من مشكلة تتعلق بالصحة العقلية، قد تتسع لمدى عمره بنسبة 50 في المائة (منظمة التعاون والتنمية، 2012). قدرت خسارة الايرادات جراء تدهور الصحة النفسية لشعب الولايات ما بين 2001 و2003 ب193.2 مليار دولار (كيسلر وآخرون، 2008). فمعدلات غياب العمال الذين يعانون من سوء الصحة النفسية أعلى ب 5% وانخفاض انتاجيتهم في العمل نتيجة لذلك أعلى بستة أضعاف.
نعيش في بلد اللاارقام والازمات والحلول المبتورة التي تنهي ما تبقى من هيكل. الناس غارقة في الاحباط تتخابط على نسخها من ملكي-قوشت. غالبية "شعوبنا اللبنانية" تقتات مهدئات وحشيشة كيف. ما يخدمنا ويميزنا عن غيرنا ما تبقى من تماسك اجتماعي تصدع دون ان ينهار. ثمة مواضيع يتوجب رصد مفاعيلها على اقتصادنا وعدم اهمالها في خضم الانهيار.
تكاليف تراجع الصحة النفسية بدأنا نشعر بها في مصانعنا ومكاتبنا وبيوتنا وجامعاتنا. ثمة حاجة الى تطوير سياسات توظيف وثقافات تدعم العاملين المصابين بأمراض عقلية ليس فقط لتفعيل حضورهم بل ايضا انتاجيتهم. ثمة ضرورة لإيلاء هذه القضية الاهمية التي تستحق. علينا التركيز كمؤمنين على الحاضر بوصفه وقتا حاسما ووحيدا للحب. لدينا مسؤوليات تجاه العالم، وذلك على الرغم من انّ محبتنا ابعد وفق شميمن(1974) وهذا ضروري لانتظام وجودنا واقتصادنا وبلدنا ومنطقتنا.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.