أوكسيجين النهار - مازن عبّود
"إضعاف الهوية اللبنانية المشتركة، يؤدي إلى تفضيل الهويات الجماعات الوهمية، المنغلقة على نفسها والعدوانية والمتعصبة والرجعية. وإذا أصبحت الدعوة إلى الفيدرالية متكررة، فذلك لأن الناس يخافون على هويتهم الخاصة، ويخافون على هوياتهم الوهمية التي يتخيلونها في مواجهة هويات أخرى تعتبر تهديدا".
رئيس الجامعة اليوسوعية الاب سليم دكّاش (2024)
مما لاشكّ فيه انّ الهوية التي انتجتها النخب المارونية المنبثقة عن الجامعة اليسوعية ضاعت في غمار الهويات والعراك الجيوسياسي المستعر، الا انّ العالم تغيّر ايضا. فالحوكمة العالمية مهددة. وفي ظل تصدع الحوكمة العالمية يتزعزع الاقتصاد الذي يتأثر ويؤثر على السلم العالمي. نعيش في بلد بهويات وهمية وبلاعبين اوجدوا لأنفسهم قيمة وهمية لا تعكس قيمتهم الحقيقية. يتنازل بعض الوزراء عن ادوارهم التقريرية لحساب الجمعيات. وضعوا أنفسهم ووزاراتهم تحت تصرفها. اما القرارات الاستراتيجية فقد رحلت زمانا الى خارج الدولة. الحكم صوريا للدولة وواقعيا المنظمات السياسية او الاقتصادية، محلية او عابرة للحدود. اضحى لبنان انموذجا لكيفية انقال السلطة من الدولة الى المنظمات. اما ما كنّا نعتقد بانه هوية لبنان مشتركة فقد زال لحساب "الهويات الوهمية" التي يعززها تسليع التعليم وانهيار الجامعة اللبنانية والخوف والصراعات الجيوسياسية وتقلص الخير العام. "الجامعات أصبحت سلعة للبيع والشراء كشركات صنع الجوارب" وفي هذا خطر داهم على لبنان الذي طالما اشتهر بصناعة الكوارد.
Rosenau (1995) عرّف الحكم بآلية القيادة للنظام الاجتماعي لتوفير الأمن والازدهار والتماسك والنظام والديمومة. وربطه بالأنظمة الاجتماعية كالتعليم والجيش والاسرة. فتحديات الحوكمة مرتبطة بسلوكيات معقدة جغرافية واجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية. اعتبر التغيّرات في بنية الأسرة، وتراجع الضمائر الاجتماعية، وفشل الأنظمة التربوية، واستفاقة التعصب العنصري والديني وانتشار المخدرات وتوزيعها عبر القنوات الشرعية تحديات بالغة للحوكمة. تحدث عن الخوف وتزايد سطوة الشركات وعن تحالفات مجموعات عبر الحدود. وتوقع انفجارا تنظيميا لا يقل أهمية عن الانفجار السكاني. أشار الى اكتظاظ الانشطة المنظمة مما سيعقد الحوكمة ويخلق معارضة لمؤسسات السلطة. منظمات قد تنافس عنفيا. فلا وجود لسمات مشتركة بين "آليات السلطة التي بتواريخ واهداف وعمليات مختلفة". تكلم عن تداعي هرمية بنية السلطة في خضم وجود مصادر حكم متباينة مهددة. فالعالم سيكون مقسما أكثر بغياب المنطق الكبير الذي يفترض التماسك العالمي. تنتقل السلطة من الدول الى المنظمات. آليات المراقبة في عالم مترابط ليست في متناول الدول بل بمتناول الجهات عبر الحدود التي تمتلك مواردا تنظيمية ومعلوماتية أكبر مما يجعلها قادرة على إيجاد بدائل للاتفاقات الحكومية وبالتالي تحديد السياسات. ثمة تفلت من مفهوم الدولة ومواقف مستجدة تجاه الزمان والمكان واحساس جديد بالانتماء والهوية. وهذا مرعب وينطبق على لبنان.
بناء على ما تقدم نسأل مع الاب دكّاش عن ماهية الدولة التي نسعى اليها: "أهي التي تعتمد على مساعدات المهاجرين، ام تلك التي تعتمد على المطاعم والنوادي الليلية، أهي الدولة غير المنتجة التي تحصّل الضرائب لحساب تمويل الزبائنية؟ ما هو الشكل الآخر للدولة الذي يمكن أن يشبهنا ويجمعنا؟ ما هو النموذج المستدام للقرن الحادي والعشرين؟".
التكنولوجيا تغيّر الديمقراطية. رؤية ميلتون فريدمان للرأسمالية والحرية بعيدة اليوم عن الواقع الاقتصادي. فالتهديد الذي يواجه الحوكمة العالمية والديمقراطية يتزايد (2024PS.)Kurz. نعيش في بلد دولته وديمقراطيته مهددان في ظل تصدع حوكمة عالمية وصراعات جيوسياسية. لكن لا يتوجب بنا الاستسلام بل الإجابة عن الأسئلة ومتابعة النضال...
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.