9 أيار 2024 | 09:27

أخبار لبنان

رأس مالنا الاجتماعي وهوية نظامنا الاقتصادي والمستقبل

مازن عبّود - أوكسجين النهار 


تكلمت مجلة التايمز (ك2، 1998) عن تآكل الشبكات الاجتماعية واستعمار الشركات للدولة. تفكك الارتباط المدني اضحى داهما يجب مجابهته. السمات الشخصية تحلّ محلّ السمات العامة ولهذا تداعيات على الحياة العامة والاقتصاد. كانت مآتمنا مهرجانات لأسبوع واعيادنا مناسبات لزيارة المنازل. هذا ما بدأ يتداعى سريعا بعد جائحة الكوفيد. يقول Stiglitz(PS.2014) بانّ نظامنا الاقتصادي يشكل هويتنا وما يمكن أن نصبح عليه. لكن نظامنا الاجتماعي يشكل بنيته التحتية. خوفي ان نتحوّل اقتصادا بلا تفاعل وثقة ونماذج.

)Boggs2001( حذّر من تداعيات تفكك الثقافة المدنية وتآكل "رأس المال الاجتماعي" وانهيار الشبكات الاجتماعية التي تعطي الحياة الإنسانية الصفة اللازمة والمجتمع الهوية. ثمة مقومات تختفي في حياتنا ولا يمكن تعويضها. أخشى ان نخسر الحياة لحساب العيش. رأس مالنا الاجتماعي يتداعى ومعه الاجتماع والسعي المشترك للصالح العام بدلاً من السعي الفردي للحصول على السلع وفق رؤية خاصة. مشاعاتنا وكل المساحات والقرارات العامة تتحوّل الى مساحات خاصة. الناس تصدّق وتتبنى ما تمليه شبكات المصالح. ويشيطن كل من يتجرأ ويسأل. انخفاض المشاركة الانتخابية في مجتمعاتنا مؤشر لازمة انفصال الافراد عن حياة المجتمع وتلاشي الديمقراطية. ولهذا تداعيات ليس فقط على الحياة السياسية بل على الحياة العامة من بوابات الصحة والتعليم والسعادة ورفاهية والسلامة والثقافة والازدهار الاقتصادي.

بحسب Boggs كان للأجيال التي ولدت ما بعد الحربين العالميتين اهتمامات أكبر بالصالح العام مقارنة بالأجيال الاكثر حداثة. الانسان المعاصر يميل الى الانعزال والفردية والخصوصية. يعزل نفسه عن التفاعل والنظام السياسي والحياة العامة. اخترقت الشركات الحياة اليومية بشكل أعمق كي تمحو التضاريس السياسية. فتوسع الشركات لا يجب ان يكون على حساب المجتمع.

ثمة تأثيرات مدمرة للمال. فقد سلّع العمل السياسي وجماعات الضغط والحملات الانتخابية والتشريعات. يبتلع الحياة العامة بما في ذلك السياسة الاجتماعية والتعليم والتكنولوجيا ووسائل الإعلام والثقافة الشعبية. الشركات صارت أكثر تأثيرا اليوم ليس فقط في سيطرتها على الاقتصاد والاقتصاد الموارد المؤسسية، ولكن في قدرتها على تشكيل الشعبية المواقف والمعتقدات والقيم. تثير هيمنة العولمة الرقمية مخاوفنا من تعطل شبكاتنا الاجتماعية وسماتنا السيكولوجية والاجتماعية وبالتالي انظمتنا الاقتصادية. تكلم (2008) Borghans عن الترابط بين علم نفس والنظريات الاقتصادية، وتأثيرات ذلك على قرارات الاستهلاك والتفضيل والمبادرة والديون.

فسح الصالح العام والسمات العامة تنحسر لحساب الخاص، والمجتمعات تتحوّل الى جماعة افراد متباعدة ترتبط رقميا بواسطة ذكاء اصطناعي يحفز استهلاكها ويصنع خياراتها.

يتوجب اصلاح اضرار كورونا. توافق أرسطو وأجاثون معا قديما فاعتبرا انّ الله حتى لا يستطيع تغيير الماضي. لا نستطيع تغيير الماضي بل تعديل الحاضر. لا يجب ان ندع شبكات المصالح تلتهم أسباب صمودنا لبنانيا. الثقة تنبثق من التفاعل وغيابه ركود. القيّم تخفض اكلاف التبادل. تحدينا بناء بيئة بمساحات مشتركة تضمن الابداع والرغد والحياة. لا يجب ان يتحوّل حاضرنا الذي لم نصلحه الى تاريخ ينتج عنه تغيير في هويتنا. فتتولد مسارات لا نريدها لاقتصادنا. يقول آدم سميث (ثروة الأمم ،1776) بأنّ العمل من أجل المصلحة الذاتية مفيد بشكل عام، ليس فقط بسبب تقاطع المصالح الشخصية للأفراد مع الصالح العام، بل لأنّ المؤسسات البشرية تجبر ما هو خاص كي يكون في خدمة العام. وواجبنا الحفاظ على نظم حياتنا. لذا، فلنعيد بداية الى العيد زيارات المعايدة ونستكمل مسار ترميم مؤسستنا البشرية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

9 أيار 2024 09:27