زياد سامي عيتاني
على الرغم من أن “تلفزيون لبنان” إحتفل بذكرى تأسيسه في 30 أيار، في وقت بات على هامش المحطات اللبنانية، التي نشأت على أمجاده، متسببة في تراجع مخيف للثقافة واللغة الصحيحة والفن الراقي، على حساب الفن الاستهلاكي الهابط والبرامج الساقطة، بعدما حل “البوتوكس” وعمليات التجميل والأجساد العارية مكان الابداع والعطاء، لا بد من العبور بالذاكرة إلى نجوم وأعمال تلك الفترة الذهبية من الإبداع الفني.
يوثق أرشيف “تلفزيون لبنان”، الذي يعتبر ثروة فنية حقيقية لا تقدر بثمن، مسلسلات درامية وكوميدية تزخر بأسماء فنانين، أثروا المكتبة الفنية اللبنانية بأرقى الأعمال، التي لا تزال راسخة في ذاكرة من واكب ذلك العصر الذهبي. ومن هذه الأسماء التي صنعت بإبداعاتها مجد “تلفزيون لبنان”: أديب وسلوى حداد، محمد شامل، حسن علاء الدين، صلاح تيزاني، أنطوان كرباج، عبد المجيد مجذوب، نبيه أبو الحسن، محمود سعيد، إبراهيم مرعشلي، سمير شمص، وحيد جلال، جهاد الأطرش، وفاء طربيه، ميشال تابت، جوزيف نانو، ايلي صنيفر، ماجد أفيوني، محمد الكبي، آمال عفيش، ناديا حمدي، فريال كريم، جورجيت النابلسي، عبد الكريم عمر، هند طاهر، إحسان صادق، سميرة بارودي، أماليا أبي صالح، ليلى كرم، علياء نمري، زكريا عرداتي، عماد فريد، الياس رزق، فيليب عقيقي، جوزف جبرائيل، هند أبي اللمع، سليمان الباشا، أحمد الزين، فؤاد شرف الدين، جورج شلهوب، مارسيل مارينا، يوسف فخري… ومئات النجوم غيرهم، الذين أبدعوا وحلقوا وسطعوا نجوماً كباراً، أضاءت سهرات تلك الحقبة.
في ذلك الزمان، تحولت شخصيات فنية كانت تطل عبر “تلفزيون لبنان” إلى رموز، بعضها شخصيات حقيقية، وبعضها الآخر من نسج خيال المؤلفين، وكلاهما يُجسد معنى وقيمة، بحيث يمكن اعتبارها شخصيات مثقلة بالمضامين والدلالات. فمن ينسى “أبو ملحم” ذلك الشيخ الجليل مقدماً قصة مشوّقة في قالب إجتماعي يحاكي واقع تلك الأيام؟ وكذلك “أبو سليم” وفرقته التي رسمت البسمة على وجه المشاهد في أعمال عديدة ومديدة. وأيضاً مختار “الدنيا هيك” الأديب والمربي والكاتب والفنان محمد شامل، مبتكر الشخصيات الفنية المستمدة من الواقع الشعبي البيروتي، التي إكتسحت المجتمع اللبناني وتركت تأثيراً قلما عرفه أي برنامج آخر.
وتميّز “تلفزيون لبنان” بإطلاق ثنائيات فنية برعت وأبدعت، وتمكنت من أن يقتدي بها عشاق تلك الأيام، ومما لا شك فيه أن أشهرها على الاطلاق، ثنائي الأميرة الفاتنة هند أبي اللمع وفتى الشاشة اللبنانية الوسيم في حينه عبد المجيد مجذوب، اللذان جمعتهما عدة أعمال، كانت الأكثر رواجاً وقتها، من أبرزها: “حول غرفتي”، و”آلو حياتي” (وباتت هذه الكلمة تتردد على ألسنة العشاق عند تبادل أي مخابرة هاتفية)، و”لا تقولي وداعاً”، و”عازف الليل”، وقد حملت هذه الأعمال توقيع زوجها المخرج الراحل أنطوان ريمي. وحققت هند أبي اللمع نجاحاً في أعمال أخرى إلى جانب محمود سعيد في “السراب” وأنطوان كرباج في “ديالا”، وآخر من وقف أمامها كان إحسان صادق في “هنادي”.
كما تكررت البطولة الثنائية بين الزوجين إلسي فرنيني وجورج شلهوب في أكثر من عمل منها: “مذكرات ممرضة”، “رحلة العمر و”الصمت”، كما شاركت فرنيني أكرم الأحمر بطولة “ميليا”، علماً أن هذا الأخير كان قد شكلّ ثنائياً متناغماً مع آمال عفيش فأطلا معاً في أكثر من عمل منها “حكايتي” و”سحر”.
كذلك، تعلّقت قلوب المشاهدين بمحمود سعيد وسميرة توفيق في المسلسل البدوي “فارس ونجود” وأحبوا كثيراً الثنائي سمير شمص ونهى الخطيب سعادة في أحد أروع إنتاجات الدراما اللبنانية “النهر” للمخرج إيلي سعادة. ومن الأعمال الفنية المميزة والرائدة التي أنتجها وعرضها “تلفزيون لبنان”، ليس على شاشته وحسب، بل على شاشات مختلف محطات التلفزيون العربية، حين كان الانتاج اللبناني يحتل الأولوية بموازاة الانتاج المصري: “التائة”، “سر الغريب”، “مياسة”، “آثار على الرمال”، “ربيع”، “حتى نلتقي”، “تمارا”، “رصيف الباريزيانا”، “أبو بليق”، “بربر آغا”، “المشوار الطويل” الذي جمع الفنان المصري الكبير الراحل محمود المليجي مع الفنان المسرحي المميز “شوشو” في أول دور غير كوميدي يؤديه الأخير بإتقان منقطع النظير، فبكى خلاله حتى أبكى.
في سياق الحديث عن الانتاج المحلي الذي إستقطب وصنع نجوماً كباراً، أصبحوا رواداً في عالم المرئي، لا بد من أن نذكر بكثير من التقدير والامتنان أصحاب الفضل الكبير في الصناعة التلفزيونية اللبنانية والعربية التي كان رائدها “تلفزيون لبنان”، وهم كبار المخرجين والكتاب المبدعين، أصحاب الأيادي البيض الذين يعود اليهم الفضل في إنتاج الأعمال النوعية، وفي مقدمهم الكتاب: محمد شامل، وجيه رضوان، مروان العبد، أنطوان غندور، أديب حداد، أحمد العشي وشكري أنيس فاخوري.
أما المخرجون الذين ترجموا السيناريوهات إلى أعمال درامية وبرامجية فأبرزهم: أنطوان ريمي، منير أبو دبس، يعقوب الشدراوي، ريمون جبارة، ألبير كيلو، إيلي سعادة، نقولا أبو سمح، جان فيّاض، باسم نصر، سيمون أسمر، إبراهيم قعوار، وكثير غيرهم من خيرة الكتاب والمخرجين.
حتى إعلانات “تلفزيون لبنان” كانت لها نكهة خاصة، وغالباً مقرونة بأغنية من تأليف كبار الفنانين وتلحينهم وغنائهم، ولا تزال عالقة في أذهاننا حتى اليوم، ونرددها بصورة لاشعورية بين الفينة والأخرى، ونستخدم عباراتها وجملها، وكأنها باتت جزءاً من قاموسنا الشعبي ولغتنا المحكية. فمنذ ستينيات القرن الماضي حتّى اليوم، بقيت تلك الاعلانات اللبنانية التي كانت تُبثّ على “تلفزيون لبنان”، في أذهان اللبنانيين. من لا يتذكّر إعلان مسحوق “يس”، والجملة المشهورة فيه التي يرددها أبو فؤاد “يس١/٣”؟ أو إعلان “نيدو” وأغنيته التي تناقلتها الأجيال؟ أو أغنية إعلان “تاترا”؟ أو إعلان البطارية “Rayovak”، وكم مرة سألنا بعضنا “شو بطاريتك”؟ وإعلان جبنة “كيري” وجبنة “بيكون” وغيرها.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.