بعد التجربة المأسوية التي لا يزال اللبنانيّون يعيشون تحت وطأتها بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020 عن طريق أطنان من مادة نيترات الأمونيوم، بات أي حديث عن مواد كيماوية مخزّنة في أية منشأة يثير هواجس اللبنانيين وكأنهم يعيشون فوق عبوات موقتة قابلة للانفجار في أية لحظة لتحصد آلاف الضحايا، لاسيما أن مسلسل اكتشاف تلك المواد الخطرة لا يزال مستمراً بين الحين والآخر.
وعقب انفجار مرفأ بيروت عثر في معمل الزهراني الحراري جنوب لبنان على مواد متفجرة عملت شركة ألمانية حينها على إزالتها، ولاحقاً تكرر المشهد في مرفأ طرابلس، واليوم يعود الكابوس مجدداً إلى أذهان اللبنانيين بعد ضبط 50 طناً من مواد متفجرة مخزنة بطريقة عشوائية داخل معمل الذوق الحراري لتوليد الكهرباء، وصنفتها جهات أمنية بـ “الخطرة جداً”، وتؤدي حال انفجارها إلى دمار هائل في المنطقة.
الإجراءات الإدارية
وتعود جذور تلك القضية إلى عام 2022 حين أعلن وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي، وجود مواد خطرة قابلة للانفجار في معمل الذوق الحراري لتوليد الكهرباء، إلى جانب خزانات هيدروجين ووقود الفيول، مما قد يؤدي إلى دمار ضخم حال تعرضت لعمل تخريبي أو إرهابي.
وبحسب المعلومات فإن تلك المواد تستخدم لتشغيل المعمل، من ضمنها مواد منتهية الصلاحية ومخزنة بطريقة سيئة بين المنازل وقرب منشآت الغاز، وهي مادة “هيدروكسيد الصوديوم” ومادة “فوسفات التريسوديوم” موضوعة في براميل بلاستيكية فوق قواعد خشبية ومغلفة بالنايلون، إذ يفترض تسليمها لمصلحة شركة “تيكمو” الألمانية كي تشحنها إلى خارج لبنان وتتلفها، إلا أنها بقيت مكانها بفعل تأخُّر إنجاز الإجراءات الإدارية، لا سيما المناطة بموافقات وزارة البيئة وإدارة الجمارك في مرفأ بيروت التي لم تعط الإذن بتحميلها على السفينة بسبب عدم إتمام الإجراءات القانونية المطلوبة.
جلسة طارئة
وبعد إثارة الموضوع مجدداً نفذ الأهالي اعتصاماً أمام المعمل، وسط مخاوف من أسباب بقاء تلك المواد في المعمل وهو خارج عن الخدمة منذ أعوام، إذ يرفض هؤلاء أن يتحول المعمل إلى مخزن مواد خطرة قابلة للانفجار في ظل الإهمال الذي تواجهه المرافق الرسمية وسوء الإدارة.
وفي هذا السياق أشار النائب سليم الصايغ، إلى أن معمل الذوق يفجّر قلقاً وخوفاً لدى الناس، لافتاً إلى أن السلطة هي المسؤولة بسبب وجود تضارب في المعلومات حول خطورة المواد الموجودة داخل المعمل”، وأضاف “وزير البيئة قال إنه لا يملك ملفاً ليرحل هذه المواد، وأنه منذ ثلاثة أعوام لم يكتمل الملف ولم يعط له، وهناك مراسلات وكلام غير مبني على أمور علمية وغير مطابقة للمواصفات الدولية لأنه يجب إرسال الملف إلى الجهات الخارجية حتى تقبل بترحيل المواد”.
ويرى الصايغ أن “هذه الفوضى تدل على أن الدولة معدومة التوازن وليس فيها مرجعية واضحة وفيها تقاذف للمسؤوليات”، مطالباً بانعقاد جلسة طارئة لمجلس الوزراء من أجل ترحيل هذه المواد، طالباً من المواطنين مواكبة هذا التحرك للوصول إلى التنفيذ، واعداً بمتابعة هذا الملف لأنه “لدينا كثير من الوسائل للطلب من السلطة التنفيذية بعد إعلانها جهاراً اليوم عن تقصيرها”.
الإنذار الأخير
وكان رئيس بلدية ذوق مكايل إلياس البعينو، وجه كتاباً إلى مؤسسة “كهرباء لبنان”، أشار فيه إلى أنّه “وبعد طول انتظار، ومع عدم اتخاذ المؤسسة الإجراءات اللازمة لرفع الخطر المحدق عن منطقتنا، وعدم لمسنا أية جدية في التعاطي مع هذه المسألة الحساسة، تود بلدية ذوق مكايل إعلامكم أنها لم تعد تحتمل أية مماطلة من مؤسستكم وتحملها المسؤوليات كافة عن أي خطر محدق أو كارثة قد تحدث، واعتبار كتاب البلدية هذا إنذاراً أخيراً لمؤسستكم لتقديم المستندات المطلوبة كافة والإسراع في ترحيل المواد التي عقدتم صفقة لترحيلها ولم ترحل منذ ثلاثة أعوام حتى تاريخه وإلا اضطرت بلدية ذوق مكايل إلى اتخاذ كافة الإجراءات التي تراها ضرورية ومناسبة لمنع وقوع أي ضرر على أبنائها ومواطنيها”.
كما أشارت عضو بلدية الذوق نتالي فرح إلى أن خطورة تلك المواد تكمن في تفاعلها وأنها غير قابلة للانفجار إذا كانت المسافات وتوضيبها وفق المعايير الدولية، مؤكدة أنها خالية من نيترات الأمونيوم وموضحة أن المستوعبات مقفلة بصورة محكمة، إنما هناك تحفظ على ظروف التبريد وحال 32 كيساً بدأ يصيبهم الاهتراء.
عمل حربيّ
وكشف مصدر أمني متخصص في المواد المتفجرة (طلب عدم كشف اسمه)، أن خطورة تلك المواد مرتبطة بعاملين، الأول إمكان تفاعلها نتيجة الإهمال وسوء التوضيب ومرور الوقت، والثاني في ظل توتر الأوضاع الأمنية في البلاد وإمكان تعرضها لعمل حربيّ أو تخريبي، وفي الحالين سيولد تفاعل الـ 15 نوعاً من تلك المواد الكيماوية انفجاراً يوازي تفجير مرفأ بيروت.
ولفت المصدر إلى أن قوة الانفجار ستتضاعف بسبب وجود منشآت النفط والغاز قرب المعمل إذاً نحن نتحدث عن “دمار شامل” بشعاع 20 كيلومتراً ضمن منطقة يقطنها حوالى مليون نسمة مما يولد كارثة إنسانية خطرة، معتبراً أنه في العلم العسكري نتحدث عن تدمير يوازي قنبلة نووية موقوتة قابلة لجعل المنطقة برمتها تحت الركام.
وفي شأن كلفة تفكيكها أكد أن الكلفة قد لا تتجاوز مليوني دولار لشحنها وتفكيكها، وهي كلفة زهيدة في مقابل أخطار انفجارها التي تزيد عن 20 مليار دولار، معتبراً أن في وضع بلد مثل لبنان يواجه عدم استقرار أمني وإمكان توسع الحرب مع إسرائيل وتحول البنى التحتية لأهداف عسكرية، فإن إخلاء تلك المواد هو إجراء عاجل وضروري.
استغلال سياسي
كما اتهمت النائبة والوزيرة السابقة للطاقة ندى البستاني جهات سياسية تستغل هذه القضية لأجنداتها السياسية، وقالت إن “شركة كهرباء لبنان أصدرت بيانات عدة نفت فيها وجود هذه المواد داخل المعمل”، داعية “كافة الجهات السياسية التي تقف وراء هذه الدعوات أن ترحم حال هذا الشعب الذي يعيش الخوف والقلق المستمرين”.
وأشارت البستاني إلى أن استخبارات الجيش اللبناني ووزارة البيئة ومؤسسة كهرباء لبنان، أكّدوا أنه ليس هناك أية مواد كيماوية داخل المعمل، جازمة أن “المعمل خال من أية مواد كيماوية” ومعتبرةً أن “هناك جهة سياسية تقف خلف هذا التحرّك فالموضوع خطر ولا يمكن اللعب به في السياسة”.
وكان وزير البيئة ناصر ياسين، أعلن أنه “يجب ترحيل المواد الكيماوية من معمل الذوق بأسرع وقت إلى دول تعالجها بالطرق المناسبة”، لافتاً إلى أن “المواد الكيماوية في معمل الذوق هي مواد حارقة وليست متفجّرة”.
وتقدّم النواب نجاة عون وبولا يعقوبيان وياسين ياسين، ومعهم إبراهيم منيمنه وفراس حمدان وملحم خلف، بسؤال إلى الحكومة في قضيّة المواد الخطرة المخزّنة في معمل الذوق الحراري، لما لهذه القضية من أهميّة بالغة وضرورة قصوى للمعالجة الفورية.
المصدر- إندبندنت عربية
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.