20 آب 2024 | 15:57

إقتصاد

باسم السبع يكتب “رفيق الحريري” .. حديث لا نهاية له !!

باسم السبع يكتب “رفيق الحريري” .. حديث لا نهاية له !!

بقلم خالد صالح

نعدّ الأيام، نُحصي الأنفاس، نتوغّلُ في أعماق الذاكرة، ننبشُ من خباياها ما لاطاقة لنا على كتمانه، نتوهُ في دهاليز الكوابيس بعدما أصبحنا نواطيرَ الليل وحرّاسَ العتمة، عندما اهتزت الأرضُ تحت أقدامنا باكيةً، آخر “فرسان الوطنية” ترجّل .. واغبرّ أفق الوطن ..كان “الزمن” يُراقُبُه، يُسجّلُ أفعالَه، يحفظُ أسلوبَه وأنماطَه، فـ “رفيق الحريري” ليس أيّ اسم، ولا أيّ رمز، ولا كميّة من “الخصال” لا تُعد ولا تُحصى، كان آتيًا من “مقلع” الشهامة الوطنية، من تلك السكينة المتهادية بين أشجار الليمون حيث “الشموخ” المترفّع، والأصالة المتجذرة، والإرادة المتمرّدة على كلّ تخاذلٍ وتقاعسٍ وهوان .

ذكراه حاضرة دومًا منذ الـ 2005 وحتّى اللحظة، تسنّى لي قراءَة عدة كتب تحكي تاريخ “رفيق الحريري”، وتجارب كتابها مع هذا “الاستثنائي”، المحطة الأولى كانت مع “الرفيق الساحر” للصحافي “فارس خشّان”، ثم كتاب “تجربتي مع الحريري” للأستاذ “الفضل شلق” وقرأتُ كتاب ” التجربة” لسعادة سفير المملكة العربية السعودية الأسبق الدكتور “عبد العزيز الخوجة”، واليوم يطلّ علينا الوزير السابق باسم السبع بكتاب جديد يحمل عنوان “لبنان في ظلال جهنم، من اتفاق الطائف إلى اغتيال الحريري” وتدور محاوره حول “رفيق الحريري” كـ “تجربة” لامثيل لها في التاريخ اللبناني،

وكم أنا بغاية “النهم” للحصول عليه لأن الكاتب من “أهل مكة” العارف بدقة الكثير من شعابها . ربّما هناك الكثير من الكتب والرسالات التي كُتبت عن هذا الرجل، وبعد قرابة عقدين على الجريمة الزلزال، مازال حاضرًا كأنه لم يغب، كأنه بيننا يتابع من عليائه أي مصير بلغه البلد الذي استودعه الله وشعبه الطيب، لكن “السبع” بهذه الخطوة إنما أراد أن يقول لنا بـ “الفم الملآن” نفتقدُ “رفيق الحريري” في هذه الظروف العصيبة .. مثل طائر “الرّخّ” الفريد الذي أرخى جناحيه الهائلين على خارطة وطنٍ فظلّلاها، ومثل ربيعٍ واعدٍ ألقى بذوره في حقولِنا الجرداء ولم ينتظر ليرى البراعم تتفتّح ليطلّ الوطن السيّد الحرّ الذي طالما حَلُم به وعَمِلَ من أجله ..

وكأنّي بـ “باسم السبع” يُخبرنا بحُكمِ وفائه أولًا وثقافته ومهنيته ومصداقيته المشهود له بها، أننا نفتقد “رفيق الحريري”، الحليفُ الممكن والخصمُ النبيل والندُّ المقنع، الرفيقُ الودود والصادقُ غير المتلوّن، صاحبُ الوصال وغير الممتهن للقطيعة، لبنانيته أساس رؤيته، عروبته مصدر علاقاته، وأخلاقياته ركيزة إدارته لسياسته، لم يكن رجلًا محبًّا للجدل والسفسطة، صاحبُ صدرٍ مشرّع لقَبول الآخر ببريقِ قيمه ومبادئه، يتّسعُ له الزمان والمكان في وقت ضاقت على البقية حتى جدران قصورهم ..

سنكتبُ الكثير أيضًا عقدان .. يا الله .. ومازال “رفيق الحريري” يحتلّ صدارة المشهد، لم يتركوا سهمًا إلّا وصوّبوه نحو “ذكراه” فوقعوا في شرّ نواياهم وأفعالهم، سيرته تزدادُ توهّجًا، تاريخه يزدادُ نصاعة وإشراقًا، وأؤمن أن “باسم السبع” أرادَ أن يُعطينا دروسًا عن هذه القامة الفريدة، وعن لغته الهادئة في ذلك الزمن حيث امتهنُ فيه الغارقون في أوهامهم – الأقربون والأبعدون – لغة الكيد والشتيمة، وأن المجالسَ كانت تضجّ بـ “رفيق الحريري” أينما حلّ، ترافقه العيون والقلوب كيفما مشى، كان حلمًا ولم يكن مشروعًا، فقتلوا أحلامنا، وقذفوا بنا في ظلمة داكنة، لاضوءَ نلمحُه في آخر النفق ..

ربّما لن يكون كتاب “السبع” آخر الإصدارات عن “رفيق الحريري”، لكن حُكمًا سيكون أغناها وأدقّها وأكثرها صدقية، وما زلتُ احتفظ بنصَّ “كلمته” التي كان سيلقيها في المجلس النيابي أواخر شباط الـ 2005، لكن استقالة الرئيس الراحل عمر كرامي أقفلت الجلسة ولم يقلها، لكن جريدة اللواء نشرتها كاملة، تلك الكلمة التي حفرت عميقًا في الوجدان، لأن “السبع” أسس لها انطلاقًا من حجم “الخسارة” الفادحة التي أصبنا بها، متوقًعا ارتداداتٍ عظيمة وقاسية ومرّة علينا في غياب “رفيق”، وأي لعنة حلّت على لبنان .. وقد بلغناها !! .. لهذا عنون الكتاب “لبنان .. في ظلال جهنم” .. شكرًا من القلب أستاذنا الفاضل “باسم السبع”، فقد نمضي عمرًا في الكتابة عن كل شيء، الأشخاص، الأحداث، السياسة وتعقيداتها، المال والأعمال، لكنك فجأة تشعر بالرهبة تجتاحك وأنت تقف أمام “رفيق الحريري”، الرجلُ الذي ينتمي إلى الوسطية “الفاخرة”، الوسطية التي تؤمن بذاتها وليست وسطية “مزيفة” تتلوّن بأصباغ المصالح، كان “رفيق الحريري” جيّاشًا للعواطف وماسحًا للمخاوف و .. عابرًا للطوائف ..

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

20 آب 2024 15:57