17 أيلول 2024 | 08:20

إقتصاد

حرائق مكبات الاقتصاد اللبناني

 


مازن عبّود

لكل عصر اقتصاده ولاقتصاد المعرفة قواعد تختلف عن قواعد الثورة الصناعية تماما كما انّ قواعد الثورة الزراعية كانت مختلفة. تكلم جالبريث Project Syndicate, 2024) (عن انتهاء صلاحية النظريات الاقتصادية المعمول بها.  فأسواق المنافسة الحرة انهتها الاحتكارات التكنولوجية، وأضحى من الصعب تحديد عائدات ثابتة والقيام بتوقعات عقلانية في زمن السمكة الفائق السرعة الذي يقصي السمك البطيء عن الميدان، فيموت الاخير جوعا.

توازن الأسواق التنافسية الحرة ما عادت تضمنه اليد الخفية التي يرسمها العرض والطلب.  والغاء القيود التنظيمية ما عاد غالبا يضمن الفعالية الاقتصادية بل العكس.  اضحى تدخل الحكومات مطلوبا لإعادة التوازن وتصحيح الفشل.

 الخصخصة وترشيق الحكومات ما عادتا ترياقا غالبا في عصر تزايد الفوارق وسطوة الشركات العابرة للحدود.  لا بل تقوية الدول لضمان التوازن.  ستمسي السوق احتكارية الطابع بفعل الابتكارات. وهي لا تقدم ما يلزم من الوظائف والخدمات بأسعار مقبولة.  وزارة العدل الامريكية تقدمت مؤخرا بدعوتين ضد غوغل لدرء احتكارها التكنولوجي. 

اما التجارة الحرة فتتقوّض لحساب الامن الاقتصادي للدول.  والتمويل خاضع لظروف وقواعد سياسية. 

قواعد الامس تتسبب بإخفاقات أسواق اليوم.  الثروة الصناعية أتت مع فرص غير مسبوقة وسيل من الوظائف وتقاسم للمغانم وتحديات بيئية وجودية.  الا انها جعلت المصارف التي تتحكم بالتمويل في الواجهة.  اليوم يحلّ عصر Block Chain والذكاء الاصطناعي والثورة التكنولوجية. والمطلوب تنظيم الأسواق بشكل فعّال كي لا نفشل بشكل كارثي.  تحدي هذا العصر لن يكون التلوث فقط بل عدم المساواة الى حد الخطورة وانهاء إنسانية البشري. نوافي الى عصر عدم اليقين وفي بالنا تحقيق عائدات إيجابية لفترة مستدامة وليس تعظيم الربح لفترة قصيرة كما جرت عادتنا.

لبنان وافى الى زمن الثورة الصناعية محملا بإقطاع العصر الزراعي الذي لم يتحرر منه. فكان ان أضاف الى الاقطاع التقليدي سطوة ارباب التمويل.  فتكوّن تحالف أدى الى انهيار العملة بفعل بفقدان التوازن بين القلة والمودعين.

نوافي عصر الذكاء بعقلية الكهوف فيمسي الاذكياء قادة الطغمة الملائكية التي تتحكم بنا. المعلومة والمعرفة أثمن من النفط والموارد. اقتصاد المعرفة نظيف في انبعاثاته لكن ليس بمفاعيله.  تصوّر البلوك تشين مع بشر على الموضة اللبنانية.

مساكين السارقون الصغار لأنهم لن يجدوا لهم مكانا. ولن تتمكن الدولة من اللحاق بالسمك السريع للامساك به.  ندخل عصر التقنيات التكنولوجية العالية والاقتصاد المعرفي لكن بعقلية الثورة الزراعية وتلوّث العصرّي الصناعي الأول والثاني ومع تردي في نوعية التعليم. فالتعليم الممتاز ما عاد متوفرا للجميع بفعل تسليع الجامعات والانهيار الاقتصادي والسياسات التربوية المتراخية.  وهذا ما سيخلق معضلات ويضاعف من ازماتنا.

مكبّ المتن يحترق كما المكبّات المالية والنقدية.  الازمة انّ معظم الحرائق تحصل بالقانون، وتتعلق بالأطراف المتعاقدة التي تصنع القواعد.  North (1989) اعتبر بانّ السياسة تفاوض على الحياة الاقتصادية والمجتمعية، وإرساء قواعد فرص الاعبين لتعظيم ثرواتهم في إطار المؤسسات. فالنظام السياسي يحدد المكاسب والخسائر الاقتصادية. والحكومة الاحتكارية بطبيعتها تتألف من مكوّنات بقدرات تفاوض مختلفة، وفرص مختلفة ونتائج مختلفة.

نظامنا ينتج حرائقا وعجزا وفرصا عظّمت ثروات مكوّنات على حساب المودعين الذين ضاعت أموالهم بالسياسة وغير السياسة.  رياض سلامة يدخل السجن لانتهاكه قواعدا، وهذا جيّد، لكنّ الازمة ابعد.  الازمة في عجز الأطر المؤسساتية عن انتاج نمو وعدالة.  وهذا ما يجب تغييره، وغير متوفر الان. ولا يتم الا بدينامية خارجية، للأسف...

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

17 أيلول 2024 08:20