أعدّ القاضي هاني حلمي الحجّار، دراسة قانونية دستورية تفنّد المواد الواردة في اتفاق الطائف، التي تُعنى حصراً بآلية انتخاب رئيس الجمهورية في لبنان، باعتبار هذا الاستحقاق واجباً دستورياً على المجلس النيابي، وليس مجرّد صلاحية دستورية تعود له، ورأى أن «القيام بهذا الواجب الدستوري، وتطبيق نصوص الطائف بشكلٍ سليم، يحولان دون الشغور في رئاسة الجمهورية أو استمرار هذا الشغور ولو ليوم واحد».
الدراسة التي باتت بتصرّف عدد من الكتل النيابية وضعت قيد المناقشة، خصوصاً أنها ترتكز على نصوص واضحة في الدستور.
وتطرّق القاضي الحجّار في مقدّمة هذه الدراسة إلى النقاش الدستوري القائم حول نصاب انعقاد جلسة مجلس النواب المنصوص عليه في المادتَين الـ73 والـ74 من الدستور، ومفهوم الاجتماع أو الانعقاد الحكمي للمجلس، ومفهوم الدورات المتتالية، وما إذا كانت تُشكّل صلاحيةً للمجلس النيابي أم واجباً دستورياً عليه.
رمزيّة الرئيس
واستعرض القاضي الحجّار، الذي يشغل حالياً منصب مفوضّ الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية، إلى أهمية المادة الـ73 من الدستور، التي تنصّ على أنه «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل، أو شهرين على الأكثر، يلتئم المجلس بناء على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد. وإذا لم يُدع المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس»، مستدلاً على ذلك بأن «المادة الـ73 من الدستور حصرت السلطة التقديرية لرئيس المجلس النيابي في الدعوة لجلسة انتخاب الرئيس بفترة تقع ضمن الشهر على الأقل أو الشهرين على الأكثر من أجل التئام المجلس لانتخاب الرئيس، كما تحسّب لمسألة عدم حصول مثل هذه الدعوة، فنصّ على انعقاد المجلس حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء ولاية الرئيس».
وإذ تطرّق الحجّار الذي شغل موقع المستشار القانوني لرئيس الحكومة اللبنانية ما بين عامي 2018 و2022، إلى أهمية موقع رئيس الجمهورية في النظام؛ لكونه «رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، ويسهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، وفقاً لأحكام الدستور، ويرأس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء، وأنه ينتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي».
الاجتماع الحكميّ
وسجّل مُعِدّ الدراسة ملاحظتين لا بد من التوقف عندهما؛ مشيراً في الأولى إلى أن الدستور «نصّ على الاجتماع الحكمي في اليوم العاشر قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية في حال عدم حصول الدعوة من قِبل رئيس المجلس ضمن المهلة المتاحة له للدعوة، ولم يتناول موضوع الاجتماع الحكمي من زاوية أنه بالإمكان أن تكون قد حصلت دعوة من قبل رئيس المجلس ضمن المهلة المحددة في المادة الـ73، وأن هذه الدعوة لم تُفضِ سواءً إلى انعقاد الجلسة أو انتخاب الرئيس»، مشدداً على أن الدستور اللبناني «اعتبر أن انتخاب الرئيس هو موجب نتيجة يتوجب على المجلس النيابي الوصول إليه بمجرّد دعوة رئيس المجلس لانعقاد الجلسة، وليس مجرّد موجب وسيلة. فالاجتماع الحكمي يرتبط بعدم حصول الدعوة أصلاً من قبل رئيس المجلس، أي أن الدستور اعتبر أنه لا يُمكن ألّا توصل هذه الدعوة إلى نتيجة واحدة هي انتخاب رئيس بعد اجتماع مجلس النواب الحاصل تبعاً لها».
خلوّ سدّة الرئاسة
أما الملاحظة الثانية فذكّرت بأن «الاجتماع الحكمي في اليوم العاشر قبل انتهاء ولاية الرئيس ليس موجهاً إلى أعضاء المجلس النيابي لحثّهم على المشاركة في جلسة الانتخاب، بل هو يُنظّم على سبيل التحسّب لمسألة عدم توجيه رئيس الجلس النيابي دعوة للمجلس إلى انتخاب الرئيس ضمن المهلة المتاحة له، ودون أن يتطرق، سواء في مسألة التئام المجلس بدعوة من رئيسه أو في مسألة اجتماعه الحكمي، إلى الحديث عن أي نصاب، سواء كان نسبياً أو عددياً، بوصفه شرطاً لهذا الالتئام أو الاجتماع». كما أن الدستور تحسّب في المادة الـ74 منه لمسألة الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية، فنصّ على أنه «إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو لأي سبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون، وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً، تدعى الهيئات الانتخابية دون إبطاء، ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية».
هيئة ناخبة
ولم يربط الدستور اللبناني إمكانية أن يكون الشغور الرئاسي ناتجاً عن تعذّر الانتخاب وفق أحكام المادة الـ74 (كما يقول الحجّار)، وإلاّ لكان نصّ على ذلك صراحة؛ إذ لا يُعقل أن يتمّ شمول هذا السبب ضمن «أي سببٍ آخر». فمن غير المنطقي تجهيل القاعدة الأساسية للانتخاب ضمن مفهوم «السبب الآخر». لكن، بكّل حال، وعلى فرض التسليم بأن تعذّر الانتخاب يقع ضمن مفهوم «السبب الآخر»، فإن المادة الـ75 نصّت على اجتماع المجلس «فوراً» دون أي مهلة، ودون أن يتم ربط هذا الاجتماع بالحاجة لدعوة من رئيس المجلس، ملاحظاً في الوقت نفسه أن «المادة الـ75 من الدستور نصّت على أن المجلس الملتئم لانتخاب الرئيس يُعدّ هيئة ناخبة لا هيئة اشتراعية، ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر، ولم تتضمن أي قواعد تنظم مسألة نصاب انعقاد جلسة الانتخاب، وأن ذلك لم يحصل نتيجة الهفو أو السهو أو عدم الوضوح»، لافتاً إلى أن «الدستور الذي تطرق لهذه المسائل بشكل صريح في مسائل أقلّ أهمية بكثير عن مسألة انتخاب الرئيس، ما كان ليُغفل مسألة بحجم انتخاب الرئيس لو كان ثمة حاجة لذلك».
تحقيق الغاية
وما دام أن انتخاب الرئيس واجب حتمي على نواب الأمة، ويتقدّم على أي أمر آخر، فقد شددّت الدراسة على أن الالتئام أو الاجتماع الحكمي للمجلس النيابي لانتخاب الرئيس، لا يُمكن أن ينفضّ إلا بتحقيق الغاية التي حصل هذا الاجتماع من أجلها، وهي انتخاب الرئيس ضمن الأغلبية المنصوص عليها في المادة الـ49؛ أي بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، وبالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، بحسب النص الحرفي للمادة الـ49 التي لم تتحدث عن عدّة جلسات انتخاب، بل عن دورة أولى ودورات تالية، وهي بالأصح دورات متتالية في ذات الجلسة التي لا يُمكن أن تنفضّ بحكم القانون إلا بانتخاب الرئيس، وأن دورة الانتخاب الأولى هي دورة واحدة، وإن حصل رفع للجلسة من قبل رئيس المجلس بعدها مباشرة لأي سبب كان، مع التأكيد أنه لا مجال لختم الجلسة بحسب الدستور إلّا بعد انتخاب الرئيس، وليس نتيجة عدم نيل أي شخص تم التصويت له الأغلبية المطلوبة في هذه الدورة أو تلك».
إساءة تطبيق الدستور
وعلى قاعدة «لا اجتهاد في معرض النصّ»، تؤكد دراسة القاضي هاني الحجّار القانونية والدستورية أن «مقاربة جلسة أو جلسات انتخاب الرئيس وانعقادها أو انفضاضها بالاستناد إلى توفّر النصاب اللازم لصحّة انعقاد الجلسة، يجد سنده الواقعي في الممارسة الحاصلة في المجلس النيابي في أكثر من استحقاق لانتخاب رئيس للجمهورية منذ عام 2007 وحتى اليوم، إلا أنه لا يجد أي سند في الدستور اللبناني، بل على العكس، فهو يُشكّل أحد أوجه إساءة تطبيق الدستور، والخلط بين الواجب الدستوري والصلاحية الدستورية، وعبر تجريد عبارات «الاجتماع» أو «الالتئام الفوري» و«بحكم القانون للمجلس النيابي»، التي لم يستعملها الدستور إلا في موضوع بأهمية انتخاب رئيس الجمهورية، من أي فاعلية قانونية، والتعاطي معها كأنها مجرّد عبارات لغوية لا قيمة أو تأثير قانونياً ودستورياً لها، في حين أن سياقها والهدف من إيرادها واضح، وهو عدم حصول شغور ولو لساعة واحدة في سدّة رئاسة الجمهورية بسبب تعذّر انتخاب الرئيس. فهذا التعذّر، أو بالأصحّ التعثّر الحاصل اليوم، لا يقع في أي شكل من الأشكال ضمن الاحتمالات الدستورية، بل هو واقع بفعل تفسير الدستور بطريقة تجرّد نصوصه من أي فاعلية، وتضع انتظام الاستحقاقات الدستورية في مهبّ رياح التجاذبات السياسية من أي جهة أتت».
خيار التعطيل
ولم تغفل الدراسة الخلفيات والأسباب الحقيقية التي تقف وراء تعطيل انتخاب الرئيس، وأوضحت أن «معظم الأفرقاء السياسيين تحدثوا عن خيار تعطيل جلسة الانتخاب في حال كانت نتيجة التصويت المتوقعة تؤشر إلى فوز مرشح غير المرشح الذي يحظى بتأييدهم، وبالتالي فإن المطلوب أولاً من أجل انتخاب رئيس للجمهورية، ليس التوافق على الاسم، بل التزام جميع السادة النّواب بتطبيق الموجبات الدستورية الملقاة على عاتقهم، والتي تفرض أن يكون للبنان رئيس جديد للجمهورية قبل انتهاء أي عهد رئاسي وفق المهل المحددة في المادة الـ73 من الدستور اللبناني، ووضع حدّ للشغور الحاصل حالياً بفعل خرق تلك المادة نتيجة تخطي المهل المحددة فيها، والاجتماع فوراً لانتخاب رئيس، تفعيلاً لأحكام المادة الـ74 منه».
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.