إلى مشارف ضاحية بيروت الجنوبية التي تتعرض لقصف مكثّف، نزحت جاياتو كوروما وابنتها البالغة من العمر خمسة أشهر مع عشرات النساء من سيراليون حيث استقرت في مستودع قديم تحوّل إلى ملجأ يؤوهنّ على وقع استمرار الغارات الإسرائيلية.
قبل أسابيع، حملت كوروما (21 عاما) على عجل ابنتها الصغيرة على ظهرها وفرّت من منزلها الواقع في جنوب بيروت على وقع القصف الاسرائيلي الكثيف. وتقول إنها أرغمت بداية على النوم "في الشارع".
وانتهى بها المطاف في مستودع يقع على تخوم مدينة بيروت جرى تحويله إلى مركز إيواء ويديره متطوعون، امتلأ بالبطانيات والفراش إلى جانب سرير مخصص للأطفال، جرى التبرع بها.
وتقول المرأة التي وضعت قبعة حمراء إنها تشعر بالامتنان بعدما حصلت وطفلتها على "الطعام والماء والحفاضات ومكان للنوم" بعدما تشردت في الطرقات.
وداخل المستودع الذي كان سابقا مساحة يتم تأجيرها للمناسبات، جلست كوروما مع نساء أخريات يتبادلن الأحاديث ويسرحهن شعر بعضهن البعض، بينما كان قسم آخر من النساء يحملن أكوام الغسيل بأوعية بلاستيكية ويعلقنها في غرفة مظلمة بانتظار أن تجف.
وسط جلبة الأحاديث داخل المستودع، تقول كوروما "أريد العودة إلى بلدي".
وتروي أنها عملت لشهور لكن الوكيل الذي يعمل وسيطا بينها وبين صاحب العمل، أخذ مدخراتها ولم تحصل "على أي شيء"، مشيرة إلى أنها لم تسترد أيضا جواز سفرها منه.
ويقصد العشرات من المهاجرين من سيراليون لبنان بغرض العمل وإرسال حوالات مالية لأسرهم في بلدهم الأم.
ويجري توظيفهم بموجب نظام الكفالة المثير للجدل في لبنان، والذي تقول مجموعات حقوقية إنه يسهل الاستغلال، وسط تقارير عن إساءة معاملتهم وعدم دفع كامل مستحقاتهم، وإخضاعهم لساعات طويلة من العمل.
وقال جاوارد جبونديما بورنيا المسؤول في قنصلية سيراليون في بيروت "إن عددا كبيرا من مواطنينا...باتوا عالقين" في لبنان.
وأضاف أن القنصلية تعمل على توفير وثائق سفر طارئة للفئات الأشد ضعفا، وتتعاون في ذلك مع المنظمة الدولية للهجرة للمساعدة في عمليات الإعادة للوطن.
وأكّد ماثيو لوتشيانو رئيس مكتب المنظمة في بيروت أن الأمم المتحدة تلقت "15 ألف طلب من المهاجرين وسفاراتهم للمساعدة في العودة"، منهم 1300 من سيراليون لوحدها.
وأضاف ل"فرانس برس": إن المنظمة تقدر أن "حوالى 17500 مهاجر... نزحوا"، مع وجود نحو 180 ألف مهاجر يقيمون في لبنان قبل بدء الأزمة.
وتروي المتطوعة ضياء حاج شاهين، وهي من بين مجموعة صغيرة من المتطوعين الذين يُديرون شؤون المأوى "عندما بدأنا قبل 21 يوما، استضفنا 60 امرأة، والآن أصبح لدينا 175"، بعضهن بحاجة إلى مساعدة طبية أو نفسية.
وتضيف "نعمل بلا توقف"، مشيرة إلى أن "أصعب ما في الأمر هو عدد النساء اللواتي يصلن يوميا في تزايد".
وأقدم متطوعون على تركيب مطبخ، والاشتراك في نظام مولدات الكهرباء، وتركيب بعض الإنارة وتوصيل مياه للغسيل والاستحمام في المستودع.
وألقت الشابة حاج شاهين باللوم على نظام الكفالة وبعض "العنصرية الموروثة"، في نقص الدعم للعمال المهاجرين، قائلة إنهم غالبا ما يُعاملون على أنهم "بشر من الدرجة الثانية".
وأشارت إلى أن المتطوعين ينظمون حملة لجمع التبرعات عبر الانترنت، للمساعدة في تغطية تكاليف عودة النساء إلى أوطانهن، مؤكدة أن كثيرات منهنّ "ليس لديهنّ جوازات سفر".
وتأملُ سوزان بايمدا (37 عاما) في العودة إلى بلدها، وتقول إنها جاءت إلى مركز الإيواء قبل أسبوعين "بسبب القتال".
وتضيف: "الوضع صعب للغاية"، لكن في الملجأ "الأمور جيدة".
وتابعت وهي تساعد زميلاتها في تحضير كميات كبيرة من سلطة المعكرونة لسكان الملجأ أن "الجميع يعتني بنا".
لم ترَ سوزان أطفالها الأربعة منذ أتت إلى لبنان قبل نحو ثلاث سنوات، وتتواصل معهم فقط عبر مكالمات الفيديو، وتقول بحرقة "دعوني أعود إليهم (..) دعونا نعود إلى بلدنا، لقد تعبنا من القتال.. نريد إنقاذ حياتنا".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.