تختصر حكاية ليلى والقبعة الحمراء العالقة في شريط ذكريات أطفال العالم حكاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مع قبعته الحمراء التي أسماها "maga"، وهي اختصار لعبارة "Make America Great Again".
وإن بدأت حكايته مع "الماغا"، التي سرعان ما أصبحت حركة تدل إلى أتباعه في السنوات الأخيرة، منذ عام 2015 تاريخ استخدامها للمرّة الأولى بينما كان في جولة حدودية في ولاية تكساس المحاذية للمكسيك. وكان في حينه الطقس شديد الحرارة، فاستخدمها منتقياً اللون الأحمر لشغفه به، ولأنها مصممة لتناسب "أصحاب الجماجم الضخمة"، كما مازح أصحابه ذات يوم، ومن حينه باتت لا تفارقه في ملاعب البيسبول ولاحقاً باعتبارها "وجه الحظ" لجلبها الرئاسة له للمرّة الأولى عام 2017، مسجّلاً "الماغا" باعتبارها حقوقاً ملكية تجارية تعود لشركته، والأخيرة باعت منها بأعداد ضخمة وكسبت ملايين الدولارات لقاء 40 دولاراً للقبعة الواحدة.
"أعظم حركة في التاريخ"
في خطاب النصر الأول، مستبقاً إعلان النتائج الرسمية، قال ترامب خلال كلمة لأنصاره، في مقر حملته بفلوريدا، إنه "استطاع تجاوز كل المعوقات وحقق أروع إنجاز سياسي"، معلقاً: "إن حركة "ماغا" هي أعظم حركة سياسية في التاريخ، لأنها حققت نصراً سيسمح بجعل أميركا عظيمة مرّة أخرى. نحن نفوز في كل الولايات المتأرجحة وسنصل إلى 315 صوتًا بالمجمع الانتخابي. أميركا ستدخل عصرًا ذهبيًا".
ومن على منصة مهرجان إعلان النصر أعاد التأكيد بخصوص قضايا الهجرة في أنه سيعمل على إعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى بلادهم، "سنغلق الحدود ولن نسمح باستمرار الهجرة غير الشرعية".
ولكن هل اختار ترامب موضة "الماغا" لإعجابه باللون فحسب؟ حتماً لا، لأنّه "يحسبها جيداً" ويجيد اختيار الرموز باعتباره رجل اقتصاد يفهم بأن "واحداً زائداً واحداً يساوي اثنين"، وأن الحروب يمكن أن تكون بصيغ أكثر إيلاماً من القتل والدمار على شاكلة حصار اقتصادي على سبيل المثال، أو اتباع موضة "رمزية"، وهو أسلوب اعتمده خلال رئاسته الأولى.
أما خيار القبعة الحمراء، فخلفياته وفق الآتي: في حكاية الكاتب الفرنسي شارل بيرو الذي قدّم للأطفال في حدود عام 1648 أجمل قصص الخيال، وبينها ليلى صاحبة القبعة الحمراء وسندريلا والأمير والضفدع وعقلة الإصبع والأميرة النائمة، تعلّمت ليلى ألّا تثق يوماً بالغرباء، ولاسيما الذئب الذي أكل جدتها وكاد يلتهمها. الحكاية نفسها يطبّقها ترامب منذ وضع في أجندته أولوية وقف هجرة "الغرباء"، ولاسيما الهجرة غير الشرعية من جهة المعابر الأميركية غير المشمولة برقابة الدولة العظمى.
وبتنصيه اليوم الرئيس الـ47 للبلاد من قبل الشعب الذي منحه أصواته، يعني أن حكاية ليلى راسخة في أذهان الشعب الأميركي، الذي نجح ترامب في إيقاظ هذه القصة تحديداً، ليؤكّد لهم أن ثمة خطر اًمقبلاً على البلاد من قبل الغرباء، ولا يمكن لـ"الديبلوماسية أو لامرأة حاكمة أو لبسمات بريئة أن تواجه هذا الخطر".
وبجانب نجاح ترامب في استثمار "الماغا" لأرباح خيالية، ليس في أميركا فحسب، يحكي الرئيس الفائز عن عشقه للون الأحمر، كونه لون "العاطفة والانفعال"، وبحذاقته ثمة يقين في أن الشعوب لا تأخذ بادرة للاستيقاظ والذهاب إلى صندوق الانتخابات في يوم عطلة دافئ لا تتجاوز حرارة الطقس فيه الـ20 درجة إلّا "باستثارتها". فكان الأحمر قبعة الانفعالات التي لا تأخذ إلى النوم وإنما إلى ردّ الفعل.
ماذا في دلالات اللون؟
في لقاءاته الأخيرة اعترف ترامب أنه بصدد الانتقال من "الأحمر" إلى "الأخضر" في صناعة القبعات، على اعتبار أن الاخير لون "النقد". يقول إن الشعب الأميركي يجب أن ينتقل من الانفعال وردّ الفعل بعد طول ركود، إلى تحفيز الفكر النقدي، لتكون لديه خطة واضحة بشأن: "ماذا لدينا في اليوم التالي من مخططات لنحمي أميركا. البلد المجاور لدول تشكّل مخاطر كبرى على وجوده "وديموقراطيته" و"جمهوريته". هناك مخاطر قادمة من روسيا ومن الصين وكوريا الشمالية. وجميعها "إنذارات" تستدعي الانتقال إلى "الأخضر".
لون الشهية أيضاً
في دلالات علم النفس، والذي يوافقه ترامب، الأحمر لون أساسي يبلغ طوله الموجي على الطيف المرئي نحو 700 نانومتر. لون دافئ وإيجابي "يرتبط بالاحتياجات الجسدية وإرادة البقاء، كما يعزز الطموح والعزيمة ويبعث النشاط، ويحفز على اتخاذ الإجراءات، يقوي الإرادة ويمنح الثقة، يُستخدم في التعبير عن الحب، ويُستخدم أيضاً في المطاعم كونه يحفّز الشهية.
وفي الشق الأخير من دلالات اللون، تكمن نقطة ضعف ترامب المدمن على وجبات "البرغر" والوجبات السريعة، ولم يتوان يوماً عن تقديم فاصل إعلاني للترويج لوجبة برغر دجاج.
وبالإفاضة في دلالات اللون، يحذّر علم النفس: "يضع الأشخاص الذين يفضّلون اللون الأحمر الحدود في مكانها المناسب في تعاملاتهم مما يُكسبهم الاحترام، يعيشون الحياة بكامل تفاصيلها، يحبون السيطرة، وقد يصبحون عدوانيين عندما لا يحصّلون أهدافهم، وقد يكونون مخيفين في بعض الأحيان".
أخضر
وبالإشارة الى احتمال أن تغدو الموضة المقبلة لأتباع حراك ترامب "الماغا" مصبوغة بالأخضر، يؤكّد ترامب لأنصاره خلال الافتتاح الاحتفالي للمصنع الجديد لشركة الإلكترونيات "فوكسكون" في ويسكونسن: "اليوم نشهد نتائج الأجندة المؤيدة لأميركا. أميركا أولاً، إجعل أميركا عظيمة مرّة أخرى، كل تلك القبعات. أعتقد أنها أعظم عبارة استُخدمت على الإطلاق في السياسة، أليس كذلك؟".
يضيف: "عندما تنظر إلى ما نفعله، فالأمر بسيط للغاية. إنها تسمّى "حافظ على أميركا عظيمة". سنوفر لك قبعات جميلة. ربما سنجعلها خضراء هذه المرّة بدلاً من الحمراء. الأخضر يمثل النقد. سوف ننتقد ونحاسب ونوقف الحروب وننزع قبعات الحماية".
قبعات التفكير الست
من الأحمر الى الأخضر، وربما باتجاه انتقاء ألوان جديدة لقبعات "الماغا"، يكشف ترامب لأنصاره أن التهديدات لن تكون من "ذئب" الغرباء فحسب، وإنما من قبل أجيال تتراخى بقيمها وعليها "منذ لحظة تنصيبه" مساندته في اعتماد قبعات التفكير الست لتنمية الإبداع في "نمط التفكير وأسلوب التعامل مع مجريات الأحداث المختلفة".
قبعة لأميركا
يرفع ترامب قبعته لتحية أنصاره أينما حل في الولايات الأميركية، غير آبه بالتهديدات ومحاولات الاغتيال. يمازح أنصاره: "الأحمر يحتمل كل الدلالات: الدماء والقتل والعاطفة والشغف و"الماغا". ومن خلال نكات يطلقها، ولا يخجل إن احتملت مرادفات إباحية، يسعى لتوسيع دائرة قبعته لتتسع لأكبر عدد من أنصاره وفق قناعته في السياسة. أن يتبع الاسلوب الآسيوي المعتمد في الصين أو اليابان مثلاً بدلاً من "الفلسفة السفسطائية" التي يتبعها الغرب، والقائمة على الجدل والحوار والمناقشة". يفنّد قناعته تلك وفق الآتي: "يعتمد الحوار الغربي على التفكير المتعاكس بين الأفراد المجتمعين، أي كل فكرة تقابلها فكرة مختلفة، مما يجعل الأفكار تتجاذب في أحيان كثيرة، فتصبح المحصلة صفراً في النهاية، وذلك وفقاً للقانون الفيزيائي. أما طريقة تفكير اليابانيين مثلاً، تقوم على التشارك بالرأي باستخدام عدة أنماط متوازية في التفكير، فكل نمط يوازي النمط الآخر ولا يعاكسه، وذلك من أجل الوصول إلى نتائج وقرارات سريعة وفعّالة. يؤمن ترامب بالتفكير الأخير وعليه يسعى للمّ شمل الأميركيين تحت قبعة واحدة. قبعة "الماغا" التي لا مكان فيها للغرباء أو "الملونين" بأفكارهم واعتقاداتهم.
في خطاب إعلان النصر "غير الرسمي" تخلّى ترامب عن قبعة "الماغا" التي وصفها بأنها عظيمة، وحضر بالزي الرسمي ميقناً: "الماغا لم تعد قبعة فحسب، لقد باتت حركة تأتي برئيس لأميركا"، ومعاً يلعبون "بيسبول" السياسة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.