مازن عبّود-النهار
بعيد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان اعتبر جيفري ساكس (Project Syndicate, 2021)، بانّ الإخفاق هو نتيجة فشل دائم للثقافة السياسية الامريكية، بافتقار ساستها لفهم المجتمعات المختلفة. الإنكليز اوجدوا الأنثروبولوجيا لحكم إمبراطورية بثقافات مختلفة وللتحكم والسيطرة على الشعوب. علماء الأنثروبولوجيا والإثنوغرافيون الأوائل كانوا مدفوعين بالفضول العلمي والعقلية الاستعمارية. اعتبروا المجتمع الأوروبي "قمة" التطور. تبنوا معتقدات العصر الفيكتوري. آمنوا بانّ للاستعمار رسالة "تمدينية". بالأنثروبولوجيا وحدها استطاع الإنكليز حكم امبراطورية لا تغيب عنها الشمس ل400 سنة.
"الإمبراطورية الامريكية" لم تصنعها الجيوش بل الحلم الذي استقطب اليها الحالمين. امة قامت على هجرة الأمم اليها والابداع والحرية. تعلقنا بالولايات المتحدة صنعته الجامعة الامريكية واللبنانية الامريكية. واحدة ارخت ببصماتها على العالم العربي والشرق الأدنى والأخرى على النساء في هذا الشق من العالم. اميركا في الشرق صنعها دانيال بلس (1866) وسارة سميث (1835). سفارتها كانت كلية انجيلية سورية ومدرسة للبنات استندتا الى النموذج الأمريكي للفنون الحرة الذي يرتكز على التفكير النقدي. الجامعة الامريكية شكّلت سلما لارتقاء من مثلي من فقراء القرى الحالمين. شكلت طريقنا للخروج من عقلية البلدة الصغيرة مهما كبرت، لاستكشاف العالم الواسع، ولتذوّق الحلم الأمريكي الذي طربش بلدتنا عمارات قرميدية بفعل نضالات مهاجرين كرحيل اخت جدي. مهاجرون معدمون وصولوا ميناء بروكلن كي يعملوا في مصانعها. حلمهم كان العودة. وغالبيتهم لم يعودوا لكنهم بنوا عمارات قرميدية تحكي نجاحات. أميركيا بلاد الفرص والخير صنعت عروشا مالية وعلمية لأهل بلدي وعائلتي. مغتربو بلدتي في كاليفورنيا اوصلوا الى دوما الكهرباء في بداية الخمسينات. وأرسوا مع رجوعهم مبادئ الديمقراطية والمساواة والمسائلة. فصار الحداد اول رئيس بلدية من العوام. اميركا حلم لا يجب ان تبدده الأسلحة المخيفة فيتحوّل كابوسا. ما منع ويمنع تمدد الصين هو هذا الحلم. ما يشدنا اليها هو التاريخ والارث الحضاري الذي لا يجب ان يتبدد.
التدخلات العسكرية تنتهي بالفساد. وقوة اميركا في الابداع والحلم. تريليونات الدولارات انفقت على الحروب في أفغانستان والعراق وليبيا ولبنان وغزة وسوريا. وأدت الى خسارة عقول وقلوب اهل المنطقة (ساكس،2021 (
المطلوب إيقاف "الدماء في الرمال"، وعودت اميركا الى الحلم الذي في أساس قوتها وعظمتها، فزعامتها من جامعات ونمو وابداع وفرص ورخاء. المطلوب تحقيق سلام شامل. ولتتوقف كوابيس الدماء بأسلحة امريكية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.