كتب جورج بكاسيني
منذ الإستقلال ، لم يشهد لبنان مراجعة واحدة أعقبت حدثاً كبيراً أو مفصلياً كما درجت العادة في معظم دول العالم . فلم تجرِ مراجعة مثلاً عقب الحرب الأهلية ، كما لم تبادر السلطات المعنية والإدارات المختصة الى إجراء تقييم موضوعي في أعقاب اعتداءات إسرائيلية على لبنان ، أين نجحت وأين أخفقت ، لأسباب معروفة لها صلة بالحساسيات الطائفية والمخاوف من ربط مسؤولية أي مسؤول بطائفته . ولهذا السبب ربما لم يسمع اللبنانيون تقييماً رسمياً جدياً لنتائج عدوان أيلول الأخير .
لكن اللبنانيين أنفسهم أجروا مراجعاتهم بأنفسهم من دون انتظار أي تقييم رسمي ، فاختلفوا حول عناوين كثيرة ، لكنهم أجمعوا على واحدة : نجاح شركة طيران الشرق الأوسط الباهر في الصمود رغم المخاطر التي حاصرتها أكثر من أي مؤسسة أخرى .
أما سبب هذا الإجماع فبسيط وهو أنه في الوقت الذي اضطُرّت مؤسسات وإدارات على امتداد خارطة الجمهورية للإقفال أو تعليق أعمالها ، قرّرت الشركة المذكورة تحدي العاصفة ، وهي في قلبها بحكم موقع المطار الجغرافي المُتاخم للضاحية الجنوبية ، ورغم سقوط الصواريخ من يمينه ومن يساره ، واستمرت بالعمل وبإبقاء صلات اللبنانيين بالعالم وكأن شيئاً لم يكن .
لم يكن هذا الإنجاز تفصيلاً ، أو مجرد نجاح عابر . ما قامت به "الميدل إيست" بطاقمها الإداري والفني وعلى رأسه محمد الحوت ، كان إنجازاً جباراً يمثل أنموذجاً للوطنية والمهنية في آن .
وحدها "الميدل إيست" خرقت الحصار الإسرائيلي الجوي والبحري ، ووزعت نسورها في الفضاء لتحتفظ الأرزة اللبنانية بمقاعدها في السماء .
لن ينسى اللبنانيون ، وأنا واحد منهم ، كيف كانت رائحة البارود تزكم أنوفهم وهم يطأون أرض المطار في الذهاب وفي الإياب . كما لن ينسوا قدر المخاطر التي تكبدها إداريو هذه المؤسسة وجهازها الفني ومضيفوها والمضيفات عند كل حركة إقلاع أو هبوط .
"الميدل إيست" واحدةٌ من المعجزات الوطنية التي يفتخر بها كل لبناني . ومحمد الحوت مفخرةٌ بذاته كتب قصة نجاح هذه الشركة - الأيقونة بعرق الجبين وبكفاءة قلّ نظيرها .
هنيئاً للبنان بمحمد الحوت وبال "ميدل إيست".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.