أثار ظهور اللواء طلال مخلوف، القائد السابق للحرس الجمهوري في جيش نظام بشار الأسد، وهو يجري "تسوية" في أحد مراكز العاصمة دمشق، جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والسياسية، خاصة أنه من المسؤولين الذين يُعتقد بأنهم اقترفوا انتهاكات واسعة النطاق خلال سنوات الصراع الدامية التي امتدت لأكثر من عقد.
ودفعت الخطوة التي أقدم عليها مخلوف، العديد من الحقوقيين للتساؤل بشأن دلالات هذه التسوية وانعكاساتها على جهود "العدالة الانتقالية".
وفي هذا الصدد، عبّر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، عن استيائه من تسوية أوضاع مخلوف، قائلا في تصريحات لموقع "الحرة": "مخلوف كان مسؤولًا عن قصف مدن وإعدام مدنيين ميدانيًا.. وفكرة أن يظل طليقًا تمثل إهانة للعدالة"، على حد قوله.
"تناقض في التعامل"
وأشار عبد الرحمن إلى ما أسماه "تناقض في التعامل مع المتورطين في الجرائم"، مضيفا: "هناك ضباط صغار تم اعتقالهم لمشاركتهم في عمليات قتالية ضد تنظيم داعش في البادية السورية دون ارتكاب جرائم ضد المدنيين، بينما يُترك أمثال مخلوف من الصف الأول والثاني والثالث دون محاسبة!".
وتولى مخلوف قيادة "الحرس الجمهوري"، إحدى أكثر تشكيلات النظام تسليحًا ونفوذًا، منذ عام 2016 حتى 2018.
وسبق ذلك قيادته لـ"اللواء 105" الذي ارتبط بقمع المظاهرات السلمية في بداية الثورة السورية، لا سيما في مناطق مثل دوما وحرستا بريف دمشق.
ووفق تقرير أصدرته منظمة "هيومن رايتس ووتش" عام 2011، أُدرج اسم مخلوف ضمن قائمة الضباط الذين أصدروا أوامر مباشرة بإطلاق النار على المتظاهرين.
بالإضافة إلى ذلك، ذكرت تقارير أن مستودعات "اللواء 105"، استُخدمت "لتخزين مواد كيميائية قبل وصول المراقبين الدوليين في عام 2013، لتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2118 بشأن التخلص من الأسلحة الكيميائية في سوريا".
كما تشير بيانات حقوقية إلى "مشاركة مخلوف في عمليات عسكرية أدت إلى تهجير آلاف المدنيين، بما في ذلك اقتحام الغوطة الشرقية ووادي بردى، فضلًا عن دوره في الحملة العسكرية على أحياء حلب الشرقية أواخر عام 2016".
و نتيجة لما سبق، خضع ذلك الضابط الكبير إلى عقوبات من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا والولايات المتحدة بسبب مسؤوليته عن انتهاكات خطيرة بحق المدنيين.
"العدالة الانتقالية هي الحل"
وفي حديثه لموقع "الحرة"، أكد الناشط الحقوقي السوري، عبد الكريم الثلجي، أن "المحاسبة والمساءلة هما الأساس لتحقيق العدالة الانتقالية"، مشيرًا إلى أن "الإفلات من العقاب يؤدي إلى استدامة الفساد والجريمة".
ورأى الثلجي أن قضية مخلوف تمثل تحديًا كبيرًا لمسار العدالة الانتقالية في سوريا.
وأوضح: "هناك انقسام بين السوريين بشأن توقيت المحاسبة، فالبعض يعتقد بضرورة المحاكمة الفورية لضمان عدم إفلات المجرمين من العدالة، بينما يدعو آخرون إلى انتظار تشكيل محاكم وطنية مهنية وعادلة، لمحاكمة كل شخص بناءً على أدلة دامغة".
وأكد الثلجي أن هناك مطالبات مستمرة من عائلات المعتقلين وضحايا الجرائم بضرورة محاكمة شخصيات مثل مخلوف، مردفا: "المجتمع الحقوقي يواصل جمع الأدلة وتوثيق الجرائم، ونسعى لإنشاء منظومة قضائية مستقلة بمساعدة خبرات دولية لضمان محاكمة عادلة".
بدوره، دعا عبد الرحمن إلى اعتقال "جميع المتورطين في جرائم الحرب، حتى لو تأخرت محاكمتهم"، مشددًا على ضرورة "إنشاء محاكم دولية داخل سوريا لمحاكمتهم بناءً على الأدلة الموثقة".
ووفقًا لرئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، "يتحمل نظام الأسد المسؤولية الكبرى عن الجرائم والانتهاكات التي ارتُكبت منذ 2011".
وقال عبد الغني في حديث سابق إلى موقع "الحرة": "وثقنا 157,634 حالة اعتقال وإخفاء قسري، و231,495 حالة قتل حتى أغسطس 2024. هذه الأرقام مجرد جزء من قاعدة بيانات تضم حوالي 6000 شخص متورطين بجرائم ضد الشعب السوري".
وشدد على أن العدالة يجب أن تتحقق عبر المحاكم، مشيرًا إلى أن المجتمع الدولي يمتلك "أدلة كافية" لتقديم المتورطين إلى المحاكمة.
واستطرد: "محاسبة شخصيات مثل مخلوف ضرورية لطمأنة الأهالي وضمان عدم تكرار الانتهاكات".
وفي 11 ديسمبر الجاري، أكد قائد "هيئة تحرير الشام" (المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى)، أحمد الشرع الملقب بأبي محمد الجولاني، أنه لن يتم العفو عن المتورطين بـ"تعذيب المعتقلين" في السجون السورية، بعد إطلاق سراح الآلاف عقب الإطاحة بالأسد.
وقال في بيان نُشر على تطبيق تليغرام: "لن نعفو عمن تورط بتعذيب المعتقلين وتصفيتهم.. وسنلاحقهم في بلدنا"، مطالباً الدول "بتسليم من فرّ إليها من هؤلاء المجرمين لتحقيق العدالة".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.