جورج بكاسيني

2 أيار 2019 | 00:00

كتب جورج بكاسيني

بقرة حلوب أم ترشيق؟

بقرة حلوب أم ترشيق؟

رغم السجالات المتواصلة (خارج جلسات مجلس الوزراء) حول الموازنة وبنودها ورواتب موظّفي القطاع العام والعسكريين المتقاعدين، وبصرف النظر عن صحة معظم ما ورد فيها أو عدمه، يمكن الحديث عن مشروع موازنة تاريخي وغير مسبوق لجهة هذا الكمّ من البنود الإصلاحية الواردة فيه، وإن أثير بعضها في مشاريع موازنات سابقة.



بداية، ومن باب الإنصاف، لا بدّ من التذكير بأن الجزء الأساسي من هذا النقاش ليس جديداً، الّا على بعض القوى السياسية التي انّضمت الى السلطة بعد العام 2005. لكنه سبق وفُتح منذ أكثر من ربع قرن، مع طرح كل الموازنات المتعاقبة على طاولة مجلس الوزراء ومن ثم تحت قبة البرلمان.



طالما شكّل عنوانا "حجم القطاع العام" و"العجز الناجم عن الكهرباء" محور السجالات التي كانت تتنقّل بين مجلسي الوزراء والنواب. لم يترك الرئيس الشهيد رفيق الحريري مناسبة إلا وتحدّث فيها عن وجوب تصغير حجم القطاع العام (وتكبير حجم الاقتصاد)، فيما كان وزير مالية حكوماته فؤاد السنيورة أول من أطلق مصطلح "ترشيق" القطاع العام.. حتى إذا ما تجرّأ الأول وتصدّى لعنوان العجز الناجم عن الكهرباء من بوابّة الخصخصة، تنطّح كثيرون من هنا وهناك وكانوا له بالمرصاد تحت عنوان أنهم "حرّاس الدولة".



إذاً نحن أمام نقاش "معجّل مكرّر" عمره أكثر من ربع قرن، يدور بين عقلين: الأول يعتبر أن الدولة "بقرة حلوب" (وقد أثير هذا المصطلح في عهد الرئيس الراحل الياس الهراوي)، أو هي عبارة عن مستودع فرص عمل للمواطنين المحسوبين على القوى السياسية الموجودة في السلطة.



والثاني يعتبر أن حجم القطاع العام المتعاظم أصبح عبئاً على الخزينة والاقتصاد ولا بدّ من "ترشيقه". مثالُ ذلك ما ردّده حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة، مراراً وتكراراً، مع تأكيده أن القطاع العام كان "يشكّل قبل الحرب الأهلية 15 بالمئة من الناتج المحلي، أما اليوم فبات يستأثر ب 35 بالمئة من هذا الناتج، وهي نسبة مرتفعة مقارنة بحجم لبنان".



ربّما دفع اللبنانيون ثمن حلّ الميليشيات مطلع تسعينيات القرن الماضي، حيث انخرط معظمها في المؤسسات العسكرية والأمنية ومن ثم الإدارية مع تطوّر ثقافة المحاصصة في الإدارة، والتي شملت الى الميليشيات الأحزاب المدنية الأخرى وكل الزعامات التقليدية والمستقلّة التي شاركت في الحكم.



لكن أن يأتي الإصلاح متأخّراً أفضل من أن لا يأتي أبداً، فمجرّد أن تتضمن موازنة 2019 بنوداً عملية تلامس كلفة القطاع العام وعجز الكهرباء (بناء على الخطة التي تم التوافق عليها) فهذا إنجاز بحدّ ذاته.. عسى أن يكتمل.


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

جورج بكاسيني

2 أيار 2019 00:00