ليس أهم من اختيار "لجنة الأعياد تجمعنا" لوثيقة الأخوة الانسانية الموقعة بين بابا الفاتيكان وشيخ الازهر الشريف موضوع ندوة حول "الاعتدال والتسامح في المسيحية والاسلام" إلا مكان انعقاد هذه الندوة اي مدينة العيش الاسلامي- المسيحي الواحد (صيدا)، وتزامنها في رحاب وروحية شهر رمضان المبارك، وما عبر عنه المشاركون في هذه الندوة - كل بما يمثل من موقع روحي اسلامي او مسيحي او للدولة الراعية والمحتضنة لهذه المبادرة التاريخية اي الامارات العربية المتحدة - من تأكيد على ما لهذه الوثيقة من اثر واضح في ترسيخ مفهوم السلام العالمي والعيش المشترك وعلى انها تصلح دليلا للأجيال القادمة تأخذهم الى ثقافة الاحترام المتبادل.
الندوة التي نظمت ضمن فعاليات "صيدا مدينة رمضانية" في كاتدرائية القديس نيقولاوس للروم الكاثوليك في صيدا، شارك فيها كل من مفتي صيدا واقضيتها الشيخ سليم سوسان ومطرانا صيدا ودير القمر للروم الكاثوليك ايلي حداد وللموارنة مارون العمار وسفير دولة الامارات العربية المتحدة حمد بن سعيد الشامسي ممثلا بالملحق الدبلوماسي في السفارة حمدان الهاشمي بحضور جمع من الشخصيات واستهلت بكلمة ترحيب من رئيس لجنة الاعياد تجمعنا الاب جهاد فرنسيس الذي توقف عند اهمية وثيقة الاخوة منوها بالدور الهام الذي تضطلع به دولة الامارات العربية في ترسيخ مفهوم السلام والعيش المشترك بين الشعوب..
حداد
وتحدث المطران حداد فتناول بداية مقدمة وثيقة الأخوة فقال: "بهذه المقدمة يواجه الاسلام والمسيحية اليوم صعوبات البشرية معا . وهذا مفاده أن الأديان اليوم في خانة واحدة مقابل حضارة اللادين . ولعل اسوأ ما نواجهه اليوم بعد سقوط الشيوعية هو التطرف الديني الذي يشكل عتبة الحماية للهاربين الدائمين من الآخر. واعتبر انه لم يترك تشنج في العالم الا وألصق بالدين".
اضاف "انسان اليوم لا يحتاج لأحد انه ذو نزعة استقلالية . هذه الذهنية الاكثر انتشارا في الغرب تمتد جذورها الى الشر ق بينما تنتشر فيه الأصوليات الدينية الخائفة على ذاتها فتفسر كتبها الدينية وكانها في موقع الهجوم للدفاع عن النفس خارجة عن اصول التفسير الحقيقي. هذه الظاهرة بدأت تنتقل الى الغرب في ما يسمى الاسلاموفوبيا والكريستيانوفوبيا كلاهما تشويه للمسيحية والاسلام وخاصة بعد ما رايناه في حادثة نيوزيلادندا " .
ورأى المطران حداد أن " الوثيقة تعتبر ان العلاقة بين الشرق والغرب ضرورة قصوى ". وقال " هذا صحيح وسليم ، فالشرق عرف التطرف الديني والغرب عرف التطرف العلماني وكلاهما يعاني من التطرف ويحتاجان الى العقل الراجح الذي يعرف الأصول المتزنة ".
العمار
من جهته اعتبر المطران مارون العمار ان الوثيقة هي عمل مشترك بين مرجعين اساسيين في عالمنا المعاصر (شيخ الازهر الشريف احمد الطيب وقداسة البابا فرنسيس ) واننا نستلهم من هذين المرجعين الكبيرين لنعمل معا ونشترك في مشاريع ومنظمات ومؤسسات محلية وعالمية تعمل على نشر روح هذه الوثيقة في عالمنا المعاصر . وقال:" هي دليل للأجيال القادمة يشمل كل مراحل الانسان في كل علاقاته مع اخيه الانسان وكل انواع المجتمعات الغنية والفقيرة بكل الوانها وطوائفها كما يشمل علاقة الانسان مع الطبيعة والبيئة التي يعيش فيها ".
وتابع: "هذا هو عملنا وعمل كل المسؤولين الدائم على جميع الصعد لأنه يرتبط بالحياة وليس بالموت، هو حياة متطورة مع حاجات الانسان المعاصر في اي منطقة من العالم . واذا تطرقت الوثيقة لهذا الدليل لأنها تعرف ما يتعرض له الانسان من مخاطر وقد عددت الوثيقة كثيرا منها . ومن العلاجات لهذه المخاطر الوعي التربوي الذي يجب بثه في مجتمعاتنا بكل الوسائل وفي كل العصور ليعود للانسان كرامته وتعود الأخلاق الحميدة الى صلب العلاقات الانسانية في المجتمعات التي باتت بأمس الحاجة اليها ."
سوسان
المفتي الشيخ سليم سوسان اعتبر ان وثيقة الأخوة "تفتح ابواب وافاق حوار بين المسلمين والمسحيين وخصوصا بعد الأحداث الكبيرة التي سجلت مؤخرا، وان هذه الوثيقة هي مدخل اساسي ومعبر حضاري يجب على الجميع العبور من خلاله لتخفيف الاحتقان ومعالجة الازمات ووقف الصراعات وتسوية النزاعات حتى لا يبقى العالم بشرقه وغربه يعيش حالة الانقسام والخوف والقلق".
ورأى أن "التناحر والصراع السياسي والعسكري الذي يحاول البعض او بالاحرى الدول الكبرى ان تكرسه صراعا بين الشرق والغرب وتقاتلا تحت عناوين دينية مع ارتفاع وتيرة الترهيب من الاسلام في دول الغرب فيما اطلق عليه "الاسلاموفوبيا" وما جرى في نيوزيلاندا وسيريلانكا من احداث دموية يؤكد عمق الازمة وخطورة المرحلة واهمية المسؤولية الملقاة على عاتق كبار القادة الذين يملكون حس القيادة والرغبة في تجنيب العالم ويلات الصراع الديني لحماية مشاريع سياسية وطموحات اقتصادية".
وقال: " في هذه الاجواء برز بصيص امل لتغيير الواقع والانطلاق نحو افق أرحب يجمع بين المؤمنين ولا يفرق بينهم هذه الاشارة انطلقت من دولة الامارات مع انعقاد مؤتمر الاخوة الانسانية الذي جمع فضيلة شيخ الازهر احمد الطيب وبابا الفاتيكان فرنسيس في مشهد يؤكد على امكانية التفاهم والتعاون والعمل لخدمة الانسان ورفاهيته وحمايته من الاستغلال المادي والديني وتوج هذا المؤتمر باطلاق وثيقة الاخوة الانسانية من اجل السلام العالمي والعيش المشترك".
وخلص للقول "سيبقى المسلمون والمسحييون في هذا البلد يدافعون عن وطنهم لبنان بإطار العيش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات . هذا الشعور يجب ان يسود عند المسلمين والمسيحيين في ظل دولة النظام والقانون والدستور دون تمييز او تفرقة . نحن حريصون كل الحرص على هذا العيش المشترك في صيدا وامتدادا الى جزين وفي كل الوطن . باقون هنا مع اهلنا واخواننا المسيحيين نبقى سويا او نرحل سويا او نستشهد دفاعا عن هذا البلد سويا".
الهاشمي
ثم كانت كلمة ممثل السفير الشامسي حمادن الهاشمي الذي اعتبر ان لهذا اللقاء رمزيته في صيدا وفي أحد أيام رمضان بما له من معنى، وان هذه الترجمة العميقة لمعاني العيش المشترك ليست شكلية بل هي من صميم نسيج هذا المجتمع اللبناني المتميز والمتفرّد بنوعيته، وهذا هو النموذج الذي تعمل دولة الامارات العربية المتحدة على نشره في العالم من خلال ثقافة التسامح. وقال: "عندما قررت القيادة الرشيدة في دولة الامارات ترتيب اللقاء التاريخي بين بابا الفاتيكان البابا فرنسيس، وبين شيخ الازهر الشيخ أحمد الطيب، وما نتج عنه من وثيقة الأخوة الإنسانية، شكل ذلك ترجمة عملية لما تؤمن به الدولة من ضرورة الانفتاح والحوار بين بني البشر لأن السلام لا يمكن أن يكون إلا عبر حوارات وتمازج ثقافات وتقارب أفكار".
اضاف "من المسجدين في نيوزيلندا الى الكنائس في سريلانكا، العدو واحد وهو التطرف والإرهاب، وهما ليسا من الإسلام ولا من المسيحية. لذلك لا بد لنا جميعاً من إذكاء الاعتدال الكفيل بردع الإرهابيين. وان الوسطية والاعتدال يكونا بالاستقامة وبطاعة الله، والبعد عن معاصيه، دون الميل الى التفريط ولا تقصير ولا غلو. هذه المفاهيم ليست محصورة بدين أو بطائفة أو بمذهب بل هي خطوط عريضة للممارسة اليومية في حياتنا أياً كان اعتقادنا الايماني"
وختم بالقول: "تحمل للعالم رسالة سلام ونعمل على نشرها لأننا نؤمن بها كسبيل لقطع الطريق على الإرهاب، ونرى أن لبنان صورة مثالية لهذا النموذج الإنساني. لذلك نحن هنا اليوم معكم مؤمنين بمفاهيمكم ونعمل معكم لما فيه خير البلدين الشقيقين.
اختم لأقول، الإمارات تحمل للعالم رسالة سلام ونعمل على نشرها لأننا نؤمن بها كسبيل لقطع الطريق على الاٍرهاب ونرى ان لبنان صورة مثالية لهذا النموذج الانساني لذلك نحن هنا اليوم معكم مؤمنين بمفاهيمكم ونعمل معكم لما فيه خير البلدين الشقيقين".
لحام
وكانت مداخلة للبطريرك السابق للروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام اكد فيها على اهمية الافكار التي تحملها وثيقة الاخوة الانسانية والدور الاماراتي من اجل ترسيخ مفهوم السلام والعيش المشترك والمحبة ما بين الشعوب على اختلاف اديانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم.
كما كانت مداخلات لعدد من الحاضرين .
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.