في رسالة مطولة تلقى "مستقبل ويب" نسخة منها اعترف المسؤول في حركة "فتح" رفعت شناعة انهم في مأزق وكتب يقول: لا يستطيع أحد أن يتجاهل المأزق الحالي الذي نعيشه كشعب فلسطيني, في الداخل وفي الشتات، خاصة أنَّ هذا المأزق هو من صناعة إسرائيلية أميريكية صهيونية، واذا استمرَّ المأزقُ ضاغطاً دون أية انفراجات، سننتقل إلى مرحلة الاختناق .
هذا التطور يفرض علينا قراءة الواقع في الاراضي المحتلة, والتدقيق جيداً في الخطط والبرامج الاسرائيلية المدعومة أميركيا، والتي يتم تسويقها، وترسيخها ميدانياً وسياسياً مع استخدام العنف والقتل، والتدمير، والتهجير بكل أبعادها، ودون توقف، ويتم ذلك دون أي تدخل دولي لوقف هذا العدوان العسكري والسياسي .
باختصار، فإنَّ الكيان الصهيوني ينفذ خططه وبرامجه الاقتلاعية، والاحتلالية، والتوسعية، دون رادع يذكر من الجهات الدولية أو الاقليمية، وانما كابوس صفعة العصر يشكل حالة رعبٍ، وذعر، مما جعل الجميع يعيد حساباته، ويحرص على مصالحه، وهذا ما جعل الفلسطيني يخوض معركة الدفاع عن أرضه ونفسه وحقوقه وحيدا، وفي ظروف معقدة .
قبل إعلان ترامب عن صفعته الصهيونية المدمِّرة للحقوق الفلسطينية، كانت المؤسسات الدولية إبتداء من الجمعية العمومية، ومروراً بمجلس الأمن، ومجلس حقوق الانسان تعتمد مواقف وقرارات ذات قيمة وتأثير، خاصة قرار مجلس الامن 2334 الذي يمنع الاحتلال من بناء مستوطنات في الاراضي الفلسطينية . وكان يجرى التأكيد على القرارات الداعمة للحقوق الفلسطينية, أما اليوم فأصبح يتم استبعاد التأكيد على حق إقامة الدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية . كما يتم استبعاد المبادرة العربية للسلام التي تؤكد أيضاً على حقنا في إقامة الدولة الفلسطينية، وعودة اللاجئين إلى أرضهم استناداً إلى القرار 194, وللأسف أصبح هناك عملية تسريع في تطبيع العلاقات مع العدو الاسرائيلي، دون أن يحصل الفلسطيني على أي حق من حقوقه .
الكيان الصهيوني مستفيداً من الغطاء الاميركي الشامل للقرارات الصهيونية التي يتخذها الكنيست الإسرائيلي, والدعم المطلق لتنفيذها بقوة السلاح, والارهاب, والاستيطان, والمعارك العسكرية يستقوي على الوجود الفلسطيني، ضارباً عرض الحائط بكل القرارات الدولية التي أنصفت الشعب الفلسطيني, وطالبت الاحتلال بالانسحاب من الاراضي الفلسطينية, إلاَّ أن الجانب الاسرائيلي مصرٌ على تجاهل المؤسسات الدولية, وجمعيات حقوق الانسان, والاستفراد بالشعب الفلسطيني, والاستقواء عليه بالقصف الجوي, والتعرض له بالرصاص الحي, وتدمير مئات البيوت, وتشريد أهلها .
وقبل أن نتحدث عن الموقف الفلسطيني في الداخل, لا بد أن نذكِّر بالخطوط العريضة للموقف الاسرائيلي, الذي تتم ممارسته عملياً في إطار مشروع صفعة ترامب التي تستهدف القضية الفلسطينية .
وهنا نشير إلى النقاط الجوهرية التالية :
أ- الكيان الصهيوني يرعى الانقسام الحالي في الجسم الفلسطيني، ويصرُّ على استمراره، ومنع الممصالحة الفلسطينية، من أجل أن تبقى الحالة الفلسطينية، مفككة ومشرذمة.
ب- المشروع الصهيوني يقوم على فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، لتسهيل ترجمة وتطبيق صفعة ترامب المعادية لشعوب المنطقة و خاصة الشعب الفلسطيني.
ج- الكيان الصهيوني لا يلتزم بالاتفاقات التي يعقدها، وهذا ما ثبت على صعيد إتفاق أوسلو وكل تفرعاته، لأنه يعتبر مثل هذه الاتفاقات مع أي طرف فلسطيني ، هي وسيلة تكتيكية للوصول إلى الهدف الذي تريد تحقيقه، وهي تكون جاهزة دائماً للتغيير، والتبديل والبحث عن مصلحة "دولة إسرائيل". وهذا الامر تطبقه الآن في مفاوضاتها مع حركة حماس، وبالتالي هي تريد حركة حماس ضعيفة في قطاع غزة تنفذ تعليمات. وهذا نفسه ما مارسه نتنياهو في الضفة الغربية.
د- الكيان الصهيوني أثبت من خلال التجربة أنه لا يقبل بوجود دولة فلسطينية مستقلة، فهو أعلن عن إقامة الدولة اليهودية القومية، والتي تلغي وجود الدولة الفلسطينية التي تم إقرارها دولياً، ووافقت عليها (اسرائيل) في اتفاق أوسلو، والتي كان يجب الاعلان عن قيامها العام 1999. وهذا المنطق السياسي نفسه ينطبق على ما يجري في قطاع غزة، فالمفاوضات الثنائية التي تجري بين حركة حماس والكيان الصهيوني بوجود الوسيط المصري، تتم تحت شعار تهدئة مقابل تهدئة، ويتم ذلك بعيداً عن قيادة م.ت.ف. الطرف الفلسطيني يطمح إلى توقيع الاتفاق، حتى يتفرغ لقيادة قطاع غزة، وحلِّ مشاكله المتفاقمة. ولكن الجانب الاسرائيلي يريد شيئاً آخر، فهو لايريد وجود طرف فلسطيني قوي وموحَّد في غزة، وانما يسعى إلى إضعاف الجانب الفلسطيني وارباكه، وشلِّ قدراته، كي ينفذ ما هو مطلوب منه، لتمرير صفعة القرن لأن قطاع غزة بنظرهم لن يكون جزءاً من الدولة الفلسطينية، وانما في خدمة الصفعة المشبوهة، والتي لها امتداداتها الجغرافية في سيناء، ومحكومة سياسياً بالانقسام.
وبالتالي فإن التهدئة التي يُريدها الكيان الصهيوني، هي التهدئة التي تخدمه سياسياً أي لخدمة مصالحه السياسية كما حصل عند بداية الانتخابات النيابية، وعندما يريد نتنياهو الرد على الاحزاب الاسرائيلية، والدفاع عن نفسه، وهذا ما أثبتته الوقائع.
هـ- حتى الآن لم يُقدم الكيان الاسرائيلي على تحديد حدود" الدولة الاسرائيلية" وهي الوحيدة بدون حدود، وقد اكتفت بوضع خطين زرقاوين في العلم الاسرائيلي، وهو ما يعني (حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، وهذا ما تسعى إليه القيادة الاسرائيلية عملياً، وهذا ما ينسف كافة الاتفاقات السابقة.
أمام كل ما ذكرناه من وقائع ، وأيضاً أمام ما أعلنه ترامب من سرقة الاراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية وإلحاقها بدولة الاحتلال، واعتبارها ليست محتلة، وانما هي تحت السيطرة الاسرائيلية، أي هي خاضعة للدولة اليهودية القومية، أمام كل ما ذكرنا لا بد أن نحدد الموقف الفلسطيني المطلوب لمواجهة هذه الهجمة التدميرية التصفوية، وإلاَّ فإن شعبنا وحركتنا الوطنية سنكون في مهبِّ الريح.
ولأننا نحن من أسسنا أعظم ثورة، ولأنَّ شعبنا هو شعب الجبارين، ولأننا نحن حماة القدس والمقدسات، فإننا نؤكد الحقائق التالية:
أ- إنَّ طبيعة العلاقة مع الاحتلال الصهيوني هي تقوم على الصراع والمقاومة مهما طال الزمن، ومهما كانت التضحيات، لأن العدو الصهيوني دمَّر وألغى كافة الاتفاقات السابقة، ويُصر على إتباع المنهج الصهيوني الذي لا يقيم وزناً لكافة الاتفاقات، ويتجاهل قرارات الشرعية الدولية، وحقوق الانسان.
ب- وطالما أن العلاقة مع الاحتلال هي علاقة صراع دائم، كان من الطبيعي أن نرفض جميعاً صفقة ترامب بكل تفاصيلها المعلنة وغير المعلنة، لأنها جزء لا يتجزأ من المشروع الصهيوني الأميركي، ويكفي أن ترامب أعطى الشرعية لإسرائيل المحتلة بالسيطرة على كافة الاراضي الفلسطينية، واعتبار الكيان الصهيوني صاحب الحق في الاحتلال، خاصة أن ترامب ساند قرار الكنيست باعتبار الاراضي الفلسطينية بكاملها أراضي الدولة القومية اليهودية، وهذا الموقف الاميركي عملياً ينسف قرارت الامم المتحدة وكافة الهيئات الدولية، وهذا أمر بالغ الخطورة يهدد الاستقرار الدولي.
ج-ولأننا مازلنا في مرحلة التحرر الوطني بتنا ملزمين بتقييم المسيرة، ودراسة الواقع السياسي بكل تداخلاته وتفاصيله، وتعقيداته، وإعادة النظر في المواقف والقرارات، لأن المتغيرات تفترض تصليب وتجديد القرارات، وبلورة التوجهات. وهنا يأتي في المقدمة إعادة النظر في كافة العلاقات التي تربطنا بأوسلو كإتفاقٍ تمَّ تفريغه من كل محتواه الاساسي الذي وافقنا عليه العام 1993. والواضح أن الجانب الصهيوني مصمم على فرض وجود(إسرائيل الكبرى) في الوطن العربي من الفرات إلى النيل، واستخدام كافة الوسائل والأساليب والأدوات ، لإحداث المتغيرات المطلوبة من خلال الصراعات المذهبية، والطائفية، والجغرافية، والسياسية، وكالذي شاهدناه منذ العام 2010في الدول العربية.
د-ولأنَّ منظمة التحرير الفلسطينية المعترف بها دولياً كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني هي السد المنيع بوجه صفقة ترامب، إنطلاقاً من رفض وأدانة الرئيس أبو مازن رئيس دولة فلسطين للمشروع الاميركي الصهيوني، والذي لا يستطيع أن يستكمل وجوده على حسلب القضية الفلسطينية، طالما هناك إجماع فلسطيني على عملية مواجهة هذه الصفقة المؤامرة، وتعزيز هذا الرفض والمواجهة بتصعيد مقاومة الاحتلال، مهما كانت الصعوبات والتعقيدات، حتى يشعر الاحتلال بعدم الاستقرار.
هـ_ إن الجانب الاسرائيلي يسعى إلى تمزيق الصف الفلسطيني، واثارة الخلافات، واللعب على التناقضات، وبث السموم الاعلامية، التي ترمي إلى زيادة التناحر الفلسطيني الداخلي، وتدمير الروابط الوطنية الداخلية، وهذا يتطلب اتخاذ إجراءات عملية لقطع الطريق على العدو ، حتى لا يتمكن من زرع خنجر الغدر في صدورنا. فهل نصل فلسطينياً إلى تشكيل لجنة مشتركة مثلاً من مختلف الفصائل أو من حركة فتح وحركة حماس للعمل على إطفاء القسم الاكبر من الخلافات؟خاصة التي مصدرها العدو الاسرائيلي، وأذا كنا لا نستطيع الاتفاق على كل شيء، فلنتفق على بعض الاشياء الممكنة، مع إبقاء حبل التواصل ممدوداً ومتيناً ليغذي التربة الوطنية برحيق المحبة والاخوة.
و- فلسطينياً لا يجوز الاقتراب من المحرمات مهما كانت الأسباب ولعلَّ أبرز هذه المحرمات:
1- السعي الاسرائيلي الاميركي إلى استبدال إطار م.ت.ف. الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، بإطار آخر مصطنع لتأجيج الخلافات الداخلية والاساءة إلى تاريخ القضية الفلسطينية.
2- إن الواجب الوطني الفلسطيني يفترض أن تكون هناك رؤية فلسطينية مشتركة، وأن يتم التعبير عنها ،أو التفاوض عليها مركزياً،وليس إفراديا،لأن القضايا الكبيرة والحساسة تقررها القيادة المركزية، وليس أي فصيل بمفرده، حتى لا نعطي العدوَّ الفرصةَ للعبث بقضايانا، والتعاطي معنا كفريقين، وهذا لا يليق بنا ونحن نمثل الثورة الفلسطينية.
3- إن إستهداف القضية الفلسطينية بكل مكوناتها هدفٌ أميركي وإسرائيلي وصهيوني مباشر، وهذه الاطراف وغيرها، يدركون أنَّ صفقة ترامب الصهيونية ، ومشروعه السياسي في المنطقة، لتكريس الوجود الاسرائيلي كدولة عظمى، لابتزاز دول المنطقة، لا يمكن أن يتحقق طالما هناك قوى فلسطينية موحدة، ومتراصة، ومؤمنة بأن فلسطين اكبر وأهم، وأقدس من فصائلنا، وأحزابنا، وأننا جميعاً في خدمة فلسطين المقدسات، والارض المباركة، وليس فلسطين بكل ما فيها هي في خدمة مصالح هذا التنظيم أو ذاك.
علينا أن نؤمن بأنَّ الارض، والتراب، والمقدسات، والشعب المعذَّب ليل نهار أمانةٌ في أعناقنا، فهل نستطيع أن نحمي الامانة ؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.