يمكن للداخل الى مخيم المية ومية هذه الأيام أن يلاحظ بوضوح كيف بدأ هذا المخيم ينزع عنه تلك الصبغة الأمنية السلبية التي لازمته طيلة سنوات بسبب السلاح المتفلت فيه والذي كانت سبباً في أحداث أمنية كبيرة شهدها الخريف الماضي واثرت على العلاقة ليس فقط بين مكوناته بل وبينه وبين جواره اللبناني وتحديدا بلدة المية ومية المسيحية التي يقع المخيم على اراضيها واثارت مخاوف الأهالي الذين طالبوا بإنهاء هذا الوضع كما طالب اصحاب بيوت وعقارات للبلدة داخل المخيم باستعادتها .
خلال النصف الأول من ايار الجاري ، تم التوصل الى اتفاق بين الدولة اللبنانية ممثلة بقيادة الجيش وبين القوى الفلسطينية الرئيسية الموجودة في المخيم أي "حركة فتح وحركة حماس وحركة انصار الله " ويقضي بإعلانه منطقة خالية من السلاح والمظاهر المسلحة وضعت موضع التنفيذ الأسبوع الماضي بهدف طمأنة الأهالي في المخيم كما في بلدة المية ومية وجوارهما ، حيث تم بالفعل ازالة كافة الدشم والنقاط العسكرية حول مقرات التنظيمات الثلاثة في المخيم واخلائها من اي سلاح او مظاهر مسلحة ولو كانت حتى لباساً عسكرياً ، وقام كل فريق بضبط وتجميع سلاحه في مكان عائد له داخل المخيم ومنع استخدامه من أي كان ولأي سبب من الأسباب وتحت طائلة الملاحقة والتوقيف من قبل الجيش اللبناني وتم سحب العناصر المسلحة من الشوارع والمقرات وحصرها بالعمل السياسي او الاجتماعي وحظر حمل السلاح ظاهراً أو غير ظاهر من اي فريق من الأفرقاء .ثم تم في خطوة لاحقة نقل قسم كبير من السلاح الذي تم جمعه من مخيم المية ومية الى مخيم عين الحلوة القريب منه .
ابو عرب
هذه الخطوة انعكست ارتياحا واسعا في اوساط اهالي مخيم المية ومية كما لدى ابناء المية ومية البلدة لكن شائعات ترددت عن دخول الجيش الى المخيم واستحداث مخفر درك بداخله ،وأخرى عن ان خطوة ضبط السلاح في مخيم المية ومية هي مقدمة لنزع سلاح المخيمات استدعت توضيحا من قائد الأمن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي ابو عرب الذي نفى هذا الأمر .
وقال" منذ البداية كنا نسعى لأن تكون كل المخيمات امنة وللحفاظ على امن شعبنا فيها واهلنا في الجوار . ومخيم المية ومية له وضع خاص لأنه متداخل مع اهلنا وتاسنا واخواننا المسيحيين ، وبعد الحادثة التي حصلت كانت هناك مطالبة بضبط وتنظيم السلاح واغلاق المكاتب المسلحة وازالة الظهور المسلح وعدم التجول باللباس العسكري في الشوارع .واكيد اهل المخيم مرتاحون لهذه الخطوة لأنه لم تعد هناك لا ظهور مسلح ولا مشاكل ولا اطلاق نار ولا اغتيالات . وكذلك اخوتنا اللبنانيون في البلدة والجوار مرتاحون كثيرا.
ولفت ابو عرب الى ان ما يتم تناقله عن دخول الجيش وفتح مخفر في المخيم لا اساس له من الصحة.وقال : الجيش لم يدخل الى مخيم المية ومية وما تم هو ضبط السلاح وتهذيبه وعدم اظهاره . والهدف مما نقوم به هو ان نحافظ على اهلنا ان كان في المخيم او البلدة يجب الحفاظ عليهم. وقد اتفقنا مع الدولة اللبنانية على ضبط السلاح وعدم اظهار المسلحين وان تكون المكاتب ادارية ولشؤون اجتماعية ورياضية .
وحول موضوع استعادة اراضي المية ومية قال ابو عرب : تم الحديث بهذا الموضوع لكن لم نتبلغ بشيء رسمي ولم يتم اي شيء بهذا الخصوص على الأرض .
وعما اذا كانت هذه الخطوة ستشمل مخيمات اخرى قال : لم يحكى بـأي مخيم آخر حاليا ولا يجب ان نضع العربة امام الحصان ولكل حادث حديث .. هناك تلميح عن مخيم شاتيلا لكن لم يتم الحديث عنه بشكل مباشر . انما نحن بدانا من جانبنا كحركة فتح ببعض الاجتماعات لضبط الوضع بداخله .
جولة في المخيم
وفي جولة داخل احياء المخيم بعد اسبوع على بدء تنفيذ بنود الاتفاق بشأنه ، بدا كل شيء طبيعيا وهادئا ، والمخيم يستعيد حركته المعتادة لكن بدون سلاح لا في محيط المكاتب العسكرية التي بحكم الاتفاق اصبحت مراكز اجتماعية ونواد رياضية ،ولا في الشوارع الا ما بقي مسموحا به هذه المرة للأطفال من "اسلحة لعبة" يلهون بها في ساحات وشوارع المخيم التي كانت بالأمس القريب ساحات معارك ومحاور قتال .
وينفرد الطفلان وليد زيدان ( 7 سنوات) ويوسف زيدان ( 11 سنة ) بـ"إمتياز " حصرية حمل السلاح وان كان لعبة في احد شوارع المخيم ، لكنهما يقولان ان سلاحهما هذا لن يوجه الى داخل المخيم وانما هو موجه باتجاه فلسطين المحتلة لمواجهة العدو الاسرائيلي .
ويقول احد ابناء المخيم ويدعى " ابو هيثم " ان الوضع مستقر ولا توجد مناوشات ولم يعد هناك من " يأخذ خوات" . ربما تحدث مشاكل فردية بسيطة تحل لكن المشاكل الكبيرة بين التنظيمات انتهينا منها والسلاح الذي نحن لسنا بحاجة اليه نقل الى عين الحلوة . ولا توجد عناصر مسلحة والجيش مسيطر على الوضع ولا يسمح باية مشاكل والشباب ( التابعين للتنظيمات) ضمن مقراتهم ومكاتبهم ونامل ان يبقى الوضع هادئا .
وعما اذا كان يفضل دخول الجيش اللبناني الى المخيم قال" الجيش لا يدخل المخيم طالما يوجد سلاح وبندقية موجودة لدينا "
ويقول هاني احمد عيسى ( والد محمد هاني عيسى الذي استشهد في المعارك الأخيرة في المخيم ) "المخيم آمن ومستقر والحمد لله ولا توجد مشاكل نحن مع ضبط السلاح ومنع حمله في الشوارع ومنع اللباس العسكري ليعيش المخيم بهدوء واطمئنان " . ويشيف " لا قرار بدخول الجيش الى المخيم وهذا يعود لقرار قيادة فتح والدولة اللبنانية .ونحن ان شاء الله نعود مع بلدة المية ومية كما كنا سابقا جيران كان بضرب المثل بالعلاقة بيننا ".
ويقول ابو عماد منصور " الموضوع ليس قضية نزع سلاح وانما قضية مبدأ عدم استخدام السلاح ، لأن اي تنظيم يريد ان يستخدم السلاح ولديه الامكانيات بامكانه تأمين سلاح ". واضاف " النظام هو ملح الأرض ، ليس فقط هنا بل في اي منطقة في العالم يكون الأمن هو الأساس للمواطن . ونحن ما يهمنا هنا ان يكون اتجاه البندقية موحدا نحو عدو واحد هو اسرائيل ".
وعلى المقلب الآخر ، تلقى اهالي بلدة المية ومية الخطة التي تنفذ في المخيم بكثير من الترحيب والاطمئنان لكنهم يعتبرون انه لا تزال هناك خطوات ينتظرون تنفيذها ومنها استعادة بعض بيوت واراضي البلدة في المخيم.
الأب غريغوار
كاهن رعية المية ومية الأب القاضي الدكتور ساسين غريغوار شكر الجيش اللبناني والقيادات السياسية على الخطوة التي تمت وخص بالشكر فخامة الرئيس ميشال عون ودولة الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري وقال" هذه الخطوة هي ضمن خطوات ستنفذ تباعا هكذا وعدونا لكي يستعيد اصحاب الحق حقهم وتستعيد البلدة التنفس والعيش الطبيعي .ونحن منذ البداية نادينا باخلاء السلاح من المخيم ونصر على ذلك وعلى سحب المسلحين وارخاء العيش الآمن بين أهل المخيم وسكان البلدة لأننا اهل ولدينا قضية واحدة ، نعيش معا في لبنان ونحن مع الأخوة الفلسطينيين ومع نضالهم من اجل العودة الى فلسطين المحررة.
وعما اذا كان هناك اي تشنج بالعلاقة بين البلدة والمخيم قال الأب غريغوار : لم يكن هناك سابقا ولا خلال الأحداث الأخيرة وحتى بعد هذه الأحداث ، لا يوجد بيننا وبين المخيم الا كل خير ونحن شعب واحد ونعيش متجاورين وكلنا لدينا هدف العيش الكريم والعمل : الأخوة الفلسطينيون للنضال من اجل العودة ونحن للكفاح من اجل العيش في هذا الوطن. لكن اتت المشاكل مع وجود المسلحين وانقسامهم الى عدة جهات والتنافس بينهم . نحن نريد العودة الى عيش المواطنة وان يعيش الأهالي بسلام وامان دون وجود اي سلاح او مسلحين في المخيم، في اي بقعة كانت ، فقط نريد وجود الدولة اللبنانية .
أنصار الله
مصادر في تنظيم انصار الله ابدت ترحيبها بالخطوة التي تمت على صعيد ضبط السلاح، وفي موضوع البيوت العائدة للبلدة والتي يسيطر عليها في المخيم اعربت هذه المصادر عن استعداد التنظيم قريبا لتسليم احد هذه البيوت الى اصحابه .
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.