كتبت صحيفة "اللواء": وجهت كتاباً بتاريخ 19 حزيران 2013، إلى حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله، عبر وزارة الخارجية والمغتربين، حيث سألت سماحته كمواطن لبناني قانوني يحب بلده ويدافع عنه بحياته، عن تعريفه للمقاومة وما يسمى الممانعة؟ فقد كنت أعتقد دائما أن المقاومة لها مفهوم محدد في القانون الدولي، وأن المجتمع الدولي محكوم بقواعد قانونية. وأن علينا بحكم حقيقة أننا الأضعف، أن نتمسك بالقواعد القانونية، لأننا اذا تحدثنا بالسياسة فقط، فإننا خاسرون لأن اسرائيل والولايات المتحدة أقوى منا بكثير. وقوتنا في مواجهة هاتين الدولتين، لم تستمد من قوتنا العسكرية فقط، بل من صلابة القواعد القانونية الدولية التي آزرت هذه القوة العسكرية.
وأضفت أني أعتقد وبكل أخلاص، أن أول خطأ أخطأته المقاومة هو عندما أسقطت من حساباتها منطوق القانون الدولي، واعتمدت منطق السياسة والقوة. فقبل عام 2000 كانت المقاومة قوية جداً، ليس بأسلحتها وقدراتها العسكرية فحسب، بل بالسند القانوني الذي كان يحكم نشاطها العسكري، وهو أنها كانت تقاتل ضد محتل لأراضي وطنها، وكذلك طبعاً بوقوف كل اللبنانيين الى جانبها مسيحيين، ومسلمين، ودروزا، وسلطات تنفيذية وغيرها. أما بعد انسحاب اسرائيل عام 2000، فكان يستوجب قراءة قانونية جديدة، لأن الأرضية القانونية السابقة لم تعد موجودة. وخلصت بأن سألت سماحته فيما إذا كانت المقاومة قد وضعت قراءة قانونية جديدة؟
وأشرت إلى أني كنت أجادل دائما في المحافل الدولية، وأطلب من المجتمع الدولي، تعريفاً للإرهاب مؤكدا رفضنا لأية تهمة مماثلة تتصل بالمقاومة. وكنت أجادل بقوة، أن هناك مبدأ في القانون الدولي، يعطي الشعوب حق مقاومة الإحتلال الأجنبي لأراضي أوطانهم، كل ذلك دفاعا عن حق الشعب اللبناني بالمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لأراضيه الوطنية. كنت أجادل بذلك، للقول أن إسرائيل معتدية ولنا الحق بالمقاومة. وكنت أقول: أنه في ظل الحرب المدمرة التي عاشها لبنان، وتفكك جيشه، وعدم وجود قوة شرعية مؤهلة للدفاع عن لبنان، فإن من حق الشعب أن يلجأ لكل الأساليب المشروعة، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية، للقتال ضد المحتل الأسرائيلي لأرضه. هذا ما حصل في فرنسا مع قيام المقاومة ضد الاحتلال النازي.
وقلت: أنه في تلك المرحلة ، كان أكثر من نصف المجتمع الدولي معنا. حتى الولايات المتحدة لم تستطع أن تصف المقاومة في حينه بالإرهاب. وذكرت أنه عندما ناقشت لجنة حقوق الأنسان في العام 1990، مشروع القرار الذي صغته بنفسي، حول حالة حقوق الإنسان في جنوب لبنان، جاءني مندوب ايطاليا يسألني أن أعدّل صفة «قوة الأحتلال» التي وصفت بها الحضور الأسرائيلي في جنوب لبنان، فأجبته أن يعطيني وصفا آخر، فأسقط بيده ووافق معي، ونال مشروع القرار 51 صوتا من أصل 53 . الولايات المتحدة وحدها صوتت ضد مشروع القرار، لكن مندوبها أكد لي خطيا، أن سبب التصويت ليس الوصف الذي قدمته للوجود الأسرائيلي في جنوب لبنان، بل لأني لم أدن الهجمات ضد أسرائيل أيضا، أي أنهم صوتوا ضد المشروع، بحجة أنه لم يكن متوازنا برأيهم. كان هذا القرار هو الأول في الأمم المتحدة، الذي وصف إسرائيل بقوة إحتلال في جنوب لبنان. وقد أزعج القرار إسرائيل كثيرا، لأنها كانت تريد أن تقنع المجتمع الدولي، بأن وجودها هناك، كان دفاعا عن النفس ولحماية أمنها. وأذكر كيف استشاط مندوب إسرائيل في حينه غضبا، ورمى بالاتهامات يمينا وشمالا ضد أعضاء اللجنة.
نجحنا باعتماد هذا القرار، لأنه استجاب للواقع الجديد في المجتمع الدولي، وهو تحول إلى قرار بشبه أجماع بل وبإجماع، بأن إسرائيل هي دولة محتلة للأراضي اللبنانية، فكان له ثقل كبير جدا، لأنه كان الأول الذي حدد معيارا قانونيا دوليا له مفاعيله. إسرائيل ثارت للصدمة، ووجه مندوبها كلاما نابيا لأعضاء لجنة حقوق الأنسان، وقال لهم « أنتم حمقى ألا تفهموا معنى هذا القرار؟» نعم كانوا يفهمون، ويفهمون تماما، أن هذا التعريف يضع إسرائيل تحت خانة الفصل السابع من الميثاق، ويسمح بالعمل العسكري ضد احتلالها، لكن القانون الدولي أقوى من أية قوة حتى إسرائيل.
مقترح الأمم المتحدة بتحديد حدود مزارع شبعا
وسألت سماحته لماذا لم تقبل المقاومة مقترح الأمم المتحدة عام 2006، لتحديد الحدود في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا بغية تحديد الأراضي اللبنانية؟ أما كان من الأجدر أن نلجم المجتمع الدولي قانونيا بتحديد الحدود اللبنانية في هذه الأراضي؟ حتى إذا رفضت إسرائيل بعدها الإنسحاب منها، صار بإمكاننا الحصول على قرارات جديدة بأنها أراض محتلة تبرر قانونيا المقاومة المسلحة؟
وسألت سماحته، لماذا لا تقبل المقاومة بوضع استراتيجية دفاعية متفق عليها جماعيا للبنان؟ وشرحت كيف أننا كنا نبرر المقاومة الشعبية في البدايات، بحجة أن لا جيش لبناني لدينا. وكان المجتمع الدولي متفهماً للأمر، فنحن كنا قد أنهينا حربنا الداخلية (ولا أقول الحرب الأهلية، لأن معظم العالم فسر عبارة civil بمعنى أنها كانت حربا بين حضارات: مسيحيون في مواجهة المسلمين تماما كما كانت إسرائيل تريده، في حين أنها كانت حربا حقوقية وسياسية، تتصل بالدور الفلسطيني في لبنان، وحربهم ضد إسرائيل من على أراضينا. وتتصل في جانب جزئي بالواقع السياسي الداخلي، وما كان يسمى بهيمنة المارونية السياسية). لكننا اتفقنا في الطائف على حل لهذه الحرب. وتم حتى عام 2000، إعادة بناء الجيش على أسس كلنا أثنينا عليها. وعليه فإنه بعد عام 2000، لم يعد يفهم المجتمع الدولي وجود مقاومة مسلحة، إلى جانب الجيش الوطني. حتى الدول العربية التي نحن جزء منها، لم تعد قادرة على تغطية الواقع غير المكرّس بصورة قانونية مقبولة، في جنوب لبنان.
واستطردت موضحا، كيف استطاع الرئيس الراحل حافظ الأسد، أن يوازن بين المصالح الإيرانية والمصالح السعودية في لبنان، من خلال تغطية السعودية للمقاومة، وتغطية إيران لأنشطة إعادة الإعمار وبناء الدولة، ولا سيما الجيش الوطني، والمؤسسات العامة. وقلت أن هذا التوازن الذي كان مستندا إلى القوة القانونية التي شرحناها آنفا لتبرير دور المقاومة، هو الذي منح المقاومة الحماية الضرورية أمام الرأي العام الدولي. ورأيت أنه رغم ذلك، كان واضحا للنبيه، الانزعاج الداخلي، والعربي من هيمنة حزب الله على المقاومة. ولم يكن خافيا وجود توجس من أبعاد سياسية لتلك الهيمنة. لكن الموافقة الإيرانية السورية العملية، لإعادة بناء الجيش، والمؤسسات العامة أضعف ذلك التوجس.
وشرحت كم كان علينا أن نسفه البيانات الإسرائيلية، التي كانت تتوقف عند هذا اللون الواحد للمقاومة، لتقول أنها حرب إيرانية سورية عليها، وكنا نستند بقوة، إلى الدعم المطلق الذي كانت تقدمه الحكومات اللبنانية، ومعظمها برئاسة الرئيس الراحل رفيق الحريري، وكذلك الدعم العربي، للقول أن هذه مقاومة وطنية. وكنا نقول أن ثمة ضروريات أمنية، وتكتيكية، تستوجب هذا الشكل من المقاومة، مضيفين أن هناك أطرافا لبنانية أخرى، تشارك بعمليات المقاومة، ولو ليس بالحجم الذي يقوم به حزب الله. ولم نسمح لأنفسنا أن نتوجس من عبارة المقاومة الإسلامية، ولا أن يجادلنا ممثلوا دول، ولا سيما دول غير مسلمة، عن سبب هذه العبارة، وعن سبب الإصرار على وصفها بالإسلامية، بدلا وصفها بالمقاومة الوطنية. كنا نصر أنها تفاصيل غير مهمة بالنسبة لقداسة الحق بالمقاومة، حتى المسيحيون في لبنان لم يعترضوا على هذه التسمية، ولم يتخوفوا جديا من ربط هذه التسمية، بشعار الدولة الإسلامية في لبنان،الذي رفعه حزب الله في البدايات، والذي أكد الحزب لاحقا، أنه لم يعد واردا لديه لما يعرفه من واقع لبنان . المسيحيون مثل كل اللبنانيين والعرب، آمنوا أيضا، أن المقاومة ستنتهي مع بناء المؤسسات، وإعادة بناء الجيش، وأن لبنان سيعود لتطبيق اتفاق الطائف بالكامل، لجهة سحب أسلحة جميع المجموعات المسلحة على الأرض اللبنانية.
خطأ تسمية المقاومة الإسلامية
وقلت: أني لا أريد أن أضيف أن تسمية المقاومة، بالمقاومة الأسلامية، كان خطأ أيضا، لأني أعتبر بأن المسألة هي تفصيلية وعابرة. لكن ما أريد أن أتوقف عنده، هو خطأ تجاهل ذلك التوازن في العلاقات، الذي أرساه الرئيس الراحل حافظ الأسد، بين إيران والسعودية، ولا سيما بعد انسحاب إسرائيل. فغياب السند القانوني كما شرحنا لحق المقاومة الشعبية، أوجب إعادة الكرة إلى ملعب الدولة والجيش. لم يحصل هذا الأمر، وهنا كان الخطأ كبيرا، لأنه كان هذه المرة بتغطية سورية. فاختيار الإحتفاظ بالسلاح، لم يعد مفهوما حتى عند قسم كبير من اللبنانيين. وزادت البلبلة، مع رفض سوريا التعاون، في رسم الحدود عند المناطق اللبنانية التي كانت لا تزال محتلة في جنوب لبنان والبقاع الغربي. وبالطبع كان لاغتيال الرئيس الحريري وقع الصاعقة التي قسمت الوطن.
وأضفت، أني لا أريد أن أدخل بما حدث بعد عام 2000، فالمواقف منذ ذلك التاريخ، تحولت كالعادة عندنا، إلى التركيز على اليوميات، وتجاهل الأساس. هذا قال كذا، وذلك قال كذا. لكني أريد أن أسأل كيف يرى سيادته الموقف الدولي إزاء المقاومة؟ فالأمين العام رأى، أن نصف العالم مع المقاومة، وعليه سألت من هم هؤلاء الذين تعتبرهم المقاومة نصف العالم؟ ثم هل أن تقاطع المصالح بين بعض القوى الدولية، وحزب الله، يعني فعلا أن هذه القوى تؤيد المقاومة بمفهومها الوطني كقوة مقاتلة ضد الاحتلال الإسرائيلي لأراض لبنانية؟ أو حتى بتفكيرها الإيديولوجي كقوة صراع وجودي وحضاري مع إسرائيل؟
وأضفت، أن الدول العربية جمعاء، صارت ضد الحزب بعد أن رأت أنه خرج عن مفهوم المقاومة الوطنية، وصار جزءا من صراع إقليمي، مختلف الأغراض والأهداف. وقلت أنني أرى هذا الأمر، على أنه الأهم، لأن العالم العربي، هو عالم حزب الله، والخروج من العالم العربي كان أكبر خطأ ليس لحزب الله فحسب، بل أيضا لسوريا. وتمنيت لو يقرأ سيادته رسالتي (التي وجهتها في ذلك الحين أيضا)، الى أخي الدكتور فيصل المقداد، لأنها تكمل هذا الرسالة. ألم تقل الحكمة الشعبية «من يخرج من ثوبه يبرد»؟ هل يعتبر حزب الله بعض دول أميركا اللاتينية، كفينزويلا، والأكوادور، وبوليفيا نصف العالم. البرازيل ليست مع حزب الله، ولا الأرجنتين، ولا المكسيك. ثم أن تلك الدول اللاتينية التي أشار اليها سيادته أنها مع حزب الله، فهي كذلك لأنها ضد عدوه، ومن منطلق عدو عدوي، صديقي، وليس لأنها تؤمن بأحقية ما يقوم به. وسألت سيادته هل يدري عن الضرر الذي ألحقته عبارته بمئات ألوف اللبنانيين من شيعة وغيرهم، في هذه المنطقة من العالم؟ وقلت: ألا ينقلون له، أن إسرائيل تتهم الآن، أي وطني يواجهها، بأنه محبذ لحزبه، وذلك فقط لأنها تعرف أن النظرة العامة في العالم (أميركا اللاتينية وغيرها)، لا يوافقه إيديولوجيته فحسب، بل يعتبره إرهابيا؟ وهذا ما حصل لي أنا نفسي، عند تعييني سفيرا في المكسيك حيث ذهب المتضررون من تعييني هناك، إلى نشر خبر صحيفة إنلاسي خوديوز، تصفني بأني «محبذ لحزب الله» علما أني لست من محبذيه، وذلك لتسخيف دوري في المكسيك وإضعافي، وفقط لمجرد أني أدافع عن حقوق وطني، ضد إسرائيل.
وخلصت، أن سيادته لا يحتاج لواحد مثلي، ليقول له عن لعبة الأمم. وأن مواقف الصين، وروسيا، هي مواقف سياسية، وليست حقوقية. هم يلعبون بالسياسة، وليس بالمنطوق القانوني، فمتى تبدلت المصالح، تبدلت المواقف. هم الدول العظمى، وهم هم أنفسهم ممن يعتبرهم سيادته مؤيدين للمقاومة، الذين يحمون اسرائيل واستمرارها.
رسالة إلى باسيل
ووجهت بتاريخ 20 شباط 2014، رسالة إلى الوزير جبران باسيل، بمناسبة توليه رئاسة الدبلوماسية اللبنانية، اقترحت فيها على معاليه، بالنظر لأنه «ضمير الوطن أمام الرأي العام الدولي»، و«حرصا على طلته الدوليّة الأولى التي ستكون المفتاح لمستقبل العمل الدبلوماسي في عهده»، أن يتم إضافة بعض الكلمات في الصفحة الثالثة من خطابه، وفي السطر الذي يشير إلى إسرائيل، فيستعاض عن الجملة التي تقول «....وثقة الدولة العدوة، بأن هذا البلد لا يمكن منعه من الحياة، وبأنه مقاوم، لا يمكن منع المقاومة عنه...» بجملة «...وثقة الدولة العدوة، بأن هذا البلد لا يمكن منعه من الحياة، وبأنه مقاوم شرس لسياساتها العدوانية، ولاحتلالها لأراضينا الوطنية، وأنه لا يمكن منع مقاومة الشعب اللبناني ضد عدوانها عليه»....
وقد شرحت لمعاليه أني أقترح وبكل إخلاص هذا المقترح، انطلاقا من تجربتي الطويلة في العمل مع المجتمع الدولي، بحيث يقوم بتحديد مفهوم المقاومة التي يعنيها، بما يستجيب لمفوم القانون الدولي، إذ أن ذلك سيكون أكثر وقعا، فلا تقضي تلك العبارة العامة التي وردت في كلمته، على كل ما ورد في خطابه. وقلت «أنتم تدركون حساسية عبارة المقاومة داخليا ودوليا». لكن عبثا، فأغراض معاليه السياسية الداخلية أضعفت الدبلوماسية اللبنانية. بل وقضت على صورة لبنان كجسر بين الشرق المسلم والغرب المسيحي، فالوزير باسيل منح حزب الله التغطية المسيحية، فأحرج أصدقاء لبنان، وحتى المكسيك، اختارت بلدا عربيا آخر، مدخلا لها إلى العالم العربي بدلا من لبنان، وذلك رغم أن لبنان كان يحتفل حينها بالذكرى السبعين لعلاقاته الدبلوماسية معها، وتلك الدولة العربية لم تكن أنشأت سفارة لها بعد في مكسيكو سيتي، كما أن لبنان لديه جالية فاعلة في البلاد وتملك دورا حيويا في نظام الاقتصاد المكسيكي، بينما تلك الدولة العربية، لم يكن لها أي حضور اغترابي هناك.
الفساد في لبنان ليس فسادا ماليا فحسب، بل هو فساد سياسي أيضا. ربما أن ذكرى الخامس والعشرين من أيار، وذكرى أولئك الشهداء الأبطال، الذين قدموا أرواحهم على مذبح الوطن، تسمح بنظرة جديدة للتعاطي الدبلوماسي مع القضايا الوطنية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.