صدر في مثل هذا اليوم المشؤوم من العام 2005، القرار الدموي بإنهاء حياة الصحافي سمير قصير وكسر قلمه منعاً لاستكمال طريق الحقيقة وكم الافواه وضرب انتفاضة الاستقلال وخنق رياح الحرية التي صنعتها بيروت، فكان الاغتيال الثالث بعد الرئيس الشهيد رفيق الحريري والوزير الشهيد باسل فليحان. لكن إنهاء حياة قصير، كرّسه واحداً من أبرز الذين صنعوا الطريق إلى النصر وصاغوا خارطة الإنتفاضة والإستقلال، وذلك بعد مسيرة نضالية تشهد عليها مقالات، ما زالت تتردد على المنابر وعلى ألسنة الصغار قبل الكبار، لما كان لها من أثر كبير بإخراج نظام الوصاية بعد عقود ماسر خلالها أبشع أنواع الظلم والقهر والإستبداد والإغتيالات الجسدية.
على الرغم من مرور أربعة عشر عاماً على غيابه، وعلى يوم شهد أبشع الطرق والوسائل لإسكات الصوت وخنقه وكسر قلم الأحرار، لا يزال سمير قصير يحتل جزءاً كبيراً ومساحة واسعة في وعي الناس وضميرهم وفي ذاكرة الأحرار والشرفاء والمستقلين على مساحة الوطن العربي وخصوصاً في سوريا ولبنان. فكيف لزمن أن لا يُنصف قي مثل هذا اليوم، رجل اسمه سمير قصير وقد سجّل له التاريخ جمتله الشهيرة "ربيع العرب حين يزهر في بيروت انما يعلن أوان الورد في دمشق".
دفع سمير قصير حياته ثمناً لمبادئ آمن بها واختصرها في مجالات عدة، مرّة بشعار أو موقف، ومرّات بمقالات ودراسات أكاديمية. حلم الرجل بوطن محرر من النظام الأمني والمخابراتي يتساوى فيه أبناؤه لا يكون فيه ابن ست وابن جارية. حلم بحُريّة تستوعب الجميع من دون أن تنقلب نقمة على ممارسيها. وفي "بيان الحلم" كتب سمير: "ما نحلم به، ثقافة ديموقراطية تستعيد زخمها لتساهم في تجديد الديموقراطية العربية، ثقافة تنحاز لتحرر فلسطين ولا تخشى حرية سوريا ولا العراق". ومن قال إن الأحلام تتوقف بعد رحيل صاحبها؟ وإن الرجال ينتهون بعد أن يُحاسب الجسد وتتم تصفيته بناء على الأفكار التي يحملها؟.
كثيراً ما غُرست في الأذهان مفاهيم من قبيل أن الوطن يُسقى بدماء شهدائه، لكن تبقى للموت رهبة في النفوس تحديداً عندما يكون المُستهدف رُكناً أساسياً في وطن أصرّ أبناؤه على النضال إلى أن فتحوا طاقة للشمس ليدخل منها نور الحرية. الى هذا الرعيل انتمى سمير قصير الذي سيظل حبر قلمه عنواناً للحق وطريقاً نحو التحرر، سيظل وصوته يصدح في الحريّة التي كان جزءاً من ناسها وأحد أبرز صانعيها.
زوجة سمير قصير الإعلامية جيزيل خوري ترى في ذكرى سمير أنه "حتّى لو كان الربيع العربي قد توقف على أبواب مستبدين وطغاة، تبقى براعم وبذور ما طرحه سمير من أفكار، ستعود وتُنبت في كل وقت". أمّا رفيق سمير في الثورة والنضال الكاتب والصحافي مالك مرّوة، فيعود بالذاكرة إلى الوراء ليؤكد أن سمير كان الدينامو الفاعل في ثورة الأرز، وكانت تسمية انتفاضة الاستقلال من اختراعه. ولسمير أهمية خاصة كونه استطاع أن يصالح بين عروبته ولبنانيته كما صالح بين يساريته ولبنانيته، في وقت كان الجميع يخون بعضهم البعض".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.