14 شباط 2019 | 00:00

المكتب السياسي

لو لم يكن الرابع عشر من شباط - مصطفى علوش

لو لم يكن الرابع عشر من شباط - مصطفى علوش
المصدر: الجمهورية

كتب عضو المكتب السياسي مصطفى علوش في "الجمهورية":



«وأعد أضلاعي فيهرب من يدي بردى



وتتركني ضفاف النيل مبتعدة


وأبحث عن حدود أصابعي


فأرى العواصم كلها زبدا


وأحمد يقر الساعات في الخندق


لم تأت أغنيتي لترسم أحمد الحروق بالأزرق


هو أحمد الكوني في هذا الصفيح الضيق


متمزق الحال


وهو اندلاع ظهيرة حاسم، في يوم حرية»


                              أحمد العربي لمحمود درويش



من المؤكد هو أنّ إعادة عقارب الساعة إلى الوراء غير ممكنة، فالحدث عندما يحصل يصبح مباشرة جزءاً من التاريخ بغض النظر عن تأثيره على حركة التاريخ.



المؤكد أيضاً هو أنّ التاريخ مجرد شاهد على الحدث، يكتفي بالتدوين، ولا يأبه بتداعيات هذا الحدث على حياة البشر والحجر والبيئة والشجر، فلا هو يسعى إلى سعادة الناس ولا يتقصد تعاستهم، وبالتالي فإنّ مسار التاريخ ليس بالضرورة يسير نحو الأفضل بعد كل مفترق طرق أساسي، ابتداءً من ضمور العصر الجليدي الموقت الذي سمح للبشر أن تجتمع خارج المغاور، مروراً بتدجين القمح وبناء المجتمعات الثابتة، وصولاً إلى الثورات المعرفية والمحطات العسكرية والإمبراطوريات والعلوم وغزو الفضاء والنانوتكنولوجي...



فلو لم يحدث هذا الشيء لكان شيء آخر حدث، ولا يمكن الجزم إن كان هذا الشيء الآخر البديل عن الحدث الحاصل سيكون بالضرورة أفضل أو أسوأ على حياة الناس.



ما لنا ولكل ذلك الآن، لكن المؤكد أنّ معظمنا يلجأون إلى كلمة «لو» عندما يكون الحاضر غير ما يتمنّوه!



ولا شك أنّ الكثيرين منا على مدى ثلاثة عشر سنة لم يتوقفوا عن قول «لو لم يستشهد رفيق الحريري لكان...!؟



لكنّ الواقع هو أنّ رفيق الحريري اغتيل، ولا يمكن تغيير هذا الحدث ولا محو تاريخه، والمؤكد هو أنّ مشروع هذا الرجل كان الوحيد القادر على تلافي الإنهيار الهائل الذي أصاب عالمنا العربي ببشره وحجره وقيمه.



لقد كان رفيق الحريري مقتنعاً بأنه قادر على إحداث تغيير في المسار المنحدر لعالمنا الأقرب ومحيطنا المباشر من خلال مشروع الدخول في الحداثة والمنافسة والتعاون الإيجابي، بدل العزلة والإمعان في تكرار التجارب الفاشلة في السياسة والأمن والإقتصاد في سلام جاهز دائماً للحرب، وحرب لم نكن يوماً مستعدين لخوضها.



بضعة عناوين كانت أساس فلسفة رفيق الحريري للسعي إلى عالم عربي، وربما إسلامي، أفضل. فلسفة تتلخص بثلاثي «الاستقرار، الحرية، والنموّ الإقتصادي».



برأيي رفيق الحريري، وهو بالتأكيد محق، هذا الثلاثي هو الوحيد القادر على مقاومة إسرائيل وأطماعها من خلال بناء عناصر القوة الكافية للمواجهة على كل المستويات، بدل الشعبوية والتخلف والقادة الملهمين الذين يرفعون أصابعهم بالنصر فوق الركام المخضب بدماء الشهداء، والشعب الفقير الذي يهتف بحياة قائده لاهثاً وراء لقمة عيشه في النهار، و«ليلم همّه في المساء ليرقد عليه».



لو لم يقتل رفيق الحريري نهار الرابع عشر من شباط منذ أربعة عشر سنة، هل كان سيعني ذلك أنّ مشروعه كان سينجح؟ ولكانت فلسفته في السياسة أحالت زعامات الشعبوية إلى التقاعد؟ ولكان الربيع العربي الذي تحوّل جحيماً لا حاجة إليه؟ ولكان نظام بشار تحوّل إلى الديموقراطية بشكل تلقائي ولم يقتل ولم يدمّر سورية؟ ولكانت إيران اقتنعت بوقف غزوها وتخريبها؟؟؟



كلها الآن فرضياً لا مكان لها في التاريخ لأنّ الإغتيال حصل والمنطقة احترقت ولا أمل بوقف مفاعيل الحريق إلّا بمشروع رفيق الحريري.



12 شباط 2019


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

14 شباط 2019 00:00