كتب عضو المكتب السياسي منير الحافي في "اللواء":
في هذه المناسبة الأليمة على كل لبناني ولبنانية، الذكرى الرابعة عشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يحتار المرء من أين يبدأ. من القلب أم من العقل. فإذا كان القلب، لقلنا كلمتين: «اشتقنالك أبو بهاء».
وإذا كان من العقل لطال الكلام وقلنا: «فقدك الإنسان، والمواطن، واللبناني، والعربي، والدولة، والمحافل الدولية، دولة الرئيس!».
لستُ الأوّل الذي يقول هذا الكلام، ولن أكون الأخير، لكن بالتجربة، يردّد الجميع أنّ خسارة رفيق الحريري كانت خسارة لا تعوّض، حتى أن أشد الخصوم لرفيق الحريري قبل استشهاده، وكان يقول مثلاً إنّه – أي الرئيس رفيق الحريري- كان ذاهباً لأسلمة لبنان أو لتملّك لبنان، ندموا على كلامهم، وعبّروا عن ذلك جهراً وليس سراً.
للأبناء من الجيل الذي لم يلتق رفيق الحريري، وسمع عنه من خلال الاعلام او من خلال الاشخاص، استطيع ان أؤكد كشخص عايش رفيق الحريري، أن هذه الشخصية قد لا تتكرر خلال ألف عام. وأنا لا اعمد هنا الى المقارنة مع اي شخص آخر، فلكل شخصيته وفكره وانجازاته من القادة او المسؤولين، لكن رفيق الحريري كانت عنده ميزات كثيرة لعل ابرزها برأيي الخاص: أنّه كان يحب البلد. وانتم تعلمون أن الشخص عندما يحب شيئاً يعمل له ولأجله ولمصلحته. وهكذا كان. رفيق الحريري كان يحب لبنان، وبيروت وصيدا والإقليم وكسروان وجبيل والجنوب والبقاع والجبل. كان يحب الناس، كان يحب الانسان. كان يحب العلم واستشراف المستقبل. كان عنده خيار، بل اكثر من واحد، أن يكون رئيساً لميليشيا مسلحة سنية لو اراد ذلك. لكنه حاشى أن يفكّر بمنطق المجموعات المسلحة، اختار الدولة. اشتغل على السلم الاهلي، فشارك في اجتماعات لوزان وجنيف مشجّعاً القادة اللبنانيين على الحوار، واستقر له الامر اخيراً في مدينة الطائف السعودية مع النواب اللبنانيين، فكان اتفاق الطائف التاريخي الذي انهى الحرب اللبنانية في العام 1989. قبل ذلك وبعده، كان رفيق الحريري يعمل على تنظيف بيروت من آثار الحرب العبثية التي ضربتها، ويعمل على ارسال الطلاب اللبنانيين الى اميركا واوروبا، او يقدم لهم المنح لتحصيل العلم في لبنان. من هؤلاء الطلاب، كنتُ، وكان عندي الخيار ان اذهب لاي دولة او اختار اي جامعة ما دامت علاماتي تسمح بذلك فاخترت كلية بيروت الجامعية التي تدرّس الاعلام، والتي تحولت لاحقا الى LAU .
أذكر أنّني زرت بعد التخرّج مؤسسة الحريري في الجناح مستطلعاً قيمة ما دفعته المؤسّسة عني. ابتسم المسؤول واستغرب، وقال: من النادر ان يأتي احد ويسأل، لكنني اخبرك ان رفيق الحريري اراد ان يعلّم الناس كي يعملوا بدورهم على تعليم غيرهم، وهو لا يريد ان يُرد القرض او المنحة. هذا كان مقصد رفيق الحريري: تغيير مستقبل بلد نحو العلم. لأن الذي يستطيع التعلم اليوم، ستكون له عائلة متعلّمة، وهكذا دواليك. يكون هذا الرجل قد غيّر واقعاً ورسم مستقبلاً مشرقاً للعائلة وللبلد.
أبو بهاء، الكلام يطول عنه. أي مضمار تطرقه، تراه رائداً.
في العلم، في إنشاء الجامعات (أو دعم الجامعات) كما في هذا الصرح التعليمي الكبير، جامعة رفيق الحريري في المشرف، في الطبابة، في الاعمار، في المؤسّسات، في الاتفاقيات العربية والدولية، في الاعلام، في كل ذلك كانت له بصمات لن تُمحى في لبنان. على أنّ أكثر المجالات التي لن أنساها شخصياً هي شخصية «الإنسان». كان إنساناً يشعر بالناس، بضيقهم وفرحهم، بحزنهم وسعادتهم.
رحمك الله دولة الرئيس. لن أنسى فضلك عليّ في تعليمي، وفي عملي معك في واحدة من مؤسّساتك الرائدة، تلفزيون المستقبل، حتى غدوتُ ما غدوت. والسلام.
من كلمة ألقيت في حفل «جامعة رفيق الحريري» لمناسبة ذكرى الاستشهاد الـ١٤
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.