رأفت نعيم

12 تموز 2019 | 00:00

خاص

"الشارع الثقافي" تعيد كتابة السيرة الذاتية لـ"شارع المطران" !

المصدر: خاص - "مستقبل ويب"‏

لعلها مصادفة ان تتماثل هاتان الشجرتان المتجاورتان عند تخوم صيدا القديمة مع "منارتَي إيمان" جارتين ترتفعان قبالتهما في وسط المدينة، فتحاكيان شكلاً وارتفاعاً، مئذنة مسجد المجذوب ( بني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ) وبرج كنيسة مار نقولا للروم الكاثوليك (يعود بناؤها الى مطلع القرن الماضي ) ، وكأنهما- كما الشجرتين - تحرسان بعضهما البعض وتستمدان من بعضهما البعض - رغم الاختلاف - القوة والصلابة بوجه كل عوامل الطبيعة وأحداث الزمن .. لكنها ليست مصادفة أن يكون هذا المشهد في مدينة صيدا التي تحافظ على ميزتها في التنوع وعيشها المشترك يحرسه المسجد والكنيسة معاً . ولطالما اعتبر تراث اي بلد جزءا بل اساساً في مخزونه الثقافي الذي يباهي به العالم ويراكم بغناه في هذا المجال ما يستقطبه من اهتمام محلي او عالمي به ليوظفه في مجالات واشكال تحفيز التنمية المحلية على اختلاف اوجهها ومنها بطبيعة الحال السياحة الثقافية . 


ح

 



ولأننا نعيش في زمن تتسع فيه الهوة بين الأجيال الجديدة وبين تاريخ بلدهم وتراثه لصالح انتسابهم للعالم الإفتراضي الأوسع وذوبانهم في تقنيات المعرفة ووسائل التواصل الحديثة ، تبدو علاقتهم بمحيطهم وتراثه المبني والإنساني المتوارث من جيل الى جيل ، تضعف تدريجيا لتصل الى حد الإنقطاع التام .


ولأن المثقف او المبدع في غير مجال هو ابن بيئته ومحيطه يتأثر بواقعه ويعيش شجونه ويعبر عنها على طريقته وبما يملك من افكار وما يطمح له من ارتقاء بهذا الواقع نحو الأفضل ، تلاقت افكار وهمم مجموعة من الشباب المثقف من ابناء صيدا على ضرورة احداث اختراق لهذا الجدار الذي يرتفع بين الأجيال الجديدة من ابنائها وبين تاريخها وتراثها وعراقتها ومقوماتها التي يمكن ان تشكل بحد ذاتها عنصر جذب لمدينتهم وتحاكي طموحاتهم واحلامهم لها ، فكانت مبادرة هؤلاء الشباب بداية بتأسيس جمعية تحمل اسم " الشارع الثقافي " التي يرأسها الفنان التشكيلي زاهر البزري وتضم " زينة دبوق، كرم سكافي، شادي هنوش ،صلاح الميسي، عثمان معتوق ، مصطفى بيطار واكرم البزري وبلال ابو جهجه " . 


د

ردم الهوة




 لم تتأخر افكار هؤلاء الشباب حتى بدأت تترجم الى عمل على الأرض فكان اطلاق الجمعية لأول مشروع من نوعه لإعادة وصل ما ينقطع من علاقة الأجيال الجديدة بالمكان وما يمثله من تاريخ او تراث او مقومات كامنة لإعادة ابرازه والنهوض به .فكان مشروع  " Bridging the gap – ردم الهوة بين الأجيال" الذي يهدف لإعادة تجسير التواصل بين المدينة وأهلها وفي سبيل التطوير والارتقاء الى الأفضل وتعاونوا فيه مع  أمير حجازي الذي ادار المشروع الذي نفذ بتمويل من السفارة الأميركية في بيروت وبالتعاون مع مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة والشبكة المدرسية لصيدا والجوار وبدعم من الرئيس فؤاد السنيورة والنائب بهية الحريري.


وبحسب القيمين عليها ، اختارت الجمعية ان يكون مشروعها الأول تبني احد الشوارع التراثية العريقة بتاريخها والغنية بتنوعها والحيوية بحاضرها ونشاطها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وهو شارع المطران باسيليوس حجار ( او حي الشاكرية ) واعداد تصور لكيفية ابراز مقوماته وتأهيله واعادة كتابة سيرته الذاتية المبنية والمكتوبة والمحكية من خلال الاتصال والتواصل مع الناس فيه والمهتمين بتراث المدينة والإستماع إلى احاديثهم واخبارهم  التي عايشوها عن هذا الشارع  او وصلت إليهم بالتواتر بعدما تناقلتها الألسن من جيل إلى جيل وتوثيقها لتشكل إلى جانب التاريخ المكتوب مرجعا" أساسيا ومعرفيا يمكن للباحث عنه منها أن يستفيد. وكانت اولى ثمرات هذا المشروع وضع الجمعية تصميماً هندسياً لـ"شارع المطران باسيليوس حجار ( الشاكرية ) " يظهر  البعد الجمالي المعماري للشارع وذاكرته الانسانية ودوره الاقتصادي وأهميته السياحية والتاريخية والتجارية الجاذبة لأهل المدينة وزائريها على السواء.


 كما أعدت الجمعية اول فيلم توثيقي من نوعه عن الشارع المذكور باللغة الانكليزية يتحدث فيه عدد من الشخصيات المعنية بكافة مرافق هذا الشارع وبالمعالم الروحية والتراثية التي تقع ضمنه وباحثون بتاريخ وتراث صيدا وأصحاب محلات ومواطنون مقيمون فيه .


ح

شارع المطران




لا يزال شارع المطران او الشاكرية حتى اليوم  يشهد على تاريخ من التعايش الإنساني والإجتماعي وصفحات مضيئة من ذاكرة مدينة تراكمها افضل العلاقات بين مكوناتها وتتوارثها أجيال وأجيال. ويقول الباحث في التاريخ الصيداوي الدكتور طالب محمود قرة أحمد ان شارع المطران الذي ينسب اسمه الى المطران باسيليوس حجار الذي ساهم في نهضته يسمى ايضا شارع الشاكرية نسبة الى المتنفذ شاكر باشا العثماني . ويشير الى ان ابرز معلمين في هذا الشارع هما : كنيسة الروم الكاثوليك التي أنجز بناؤها مع بداية القرن العشرين حوالي(  1905 ) على ارض تم شراؤها  من آل القطب بعدما بني مركز تجاري عبارة عن مجموعة محلات محيطة بموقع بناء الكنيسة ليتم استخدام مردود تأجيرها في تمويل البناء . والمعلم الآخر هو مسجد المجذوب الذي قام اساسا مكان مقبرة اسلامية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ( حوالي 1875 ) وكان بداية زاوية لآل المجذوب ثم حول الى جامع .


د

دور لبنان الرسالة




ويمتد شارع المطران على طول الحدود الشرقية للمدينة القديمة ، وهو اساساً جزء من الشارع الذي يربط بين البوابة الفوقا والقلعة البرية جنوبا وبين البوابة التحتا والقلعة البحرية شمالا وتتوسطه بوابة الشاكرية مدخله الرئيسي الى صيدا القديمة ، كما يربط هذا الشارع بين قسمي المدينة القديم والحديث ويشكل نبض حياتها اليومية ومركز استقطاب وجذب للحركة الاقتصادية والسياحية والثقافية فيها . ويضم شارع المطران ومحيطه القريب اكثر من 10 مواقع دينية وأثرية وتراثية وسياحية تختزن حقبات هامة من تاريخ المدينة وهو يختصر برمزية معالمه دور لبنان الرسالة في هذا الشرق.


د

 




ج
">





 



يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

رأفت نعيم

12 تموز 2019 00:00