تجلس نور على المقعد الثالث في قاعة محكمة التمييز في بيروت، من دون ان تستطيع إخفاء تأثرها من المشهد الذي تراه للمرة الاولى في حياتها، خمسة قضاة يجلسون على قوس المحكمة بلباسهم الارجواني، ومحامون بردائهم الاسود من الجهتين، اما عن يمينها فيجلس شخص في قفص الاتهام تراه ايضا للمرة الاولى، هو وسام طحيبش المتهم مع آخرين فارين بقتل والدها الشهيد القاضي وليد هرموش وزملائه القضاة الشهداء حسن عثمان وعاصم بو ضاهر وعماد شهاب.
في تلك القاعة التي شهدت بعد ظهر اليوم الجلسة الاخيرة من محاكمة المتهمين بجريمة اغتيال القضاة الاربعة في جزيران العام 1999 ، طالب وكلاء الادعاء من اهالي الشهداء الاعدام للقتلة ، بعدما أدلوا بمرافعاتهم التي استغرقت قرابة الثلاث ساعات امام المجلس العدلي برئاسة القاضي جان فهد والمستشارين القضاة جوزف سماحة وميشال طرزي وجمال الحجار وعفيف الحكيم ، وبحضور ممثلة النيابة العامة القاضية ميرنا كلاس التي طلبت بدورها الاعدام للمتهمين، وكذلك المحامي مصطفى قبلان ممثل الدولة اللبنانية، والمحامي سالم سليم احد الجرحة المدعين الذي طالب بتعويض قدره مليار ليرة على ان يخصص بكامله لمكتب مكافحة الارهاب، متميزا عن غيره من الجهة المدعية التي طالبت بعطل رمزي قدره الف ليرة لبنانية فقط"لان كنوز الدنيا لا تستطيع ان تخفف من آلام عائلات الشهداء ".
ويكون المجلس العدلي بذلك قد أنه، ولو متأخرا 20 عاما النظر في "نكبة العام 1999 " كما اسماها احد المدعين، محددا الرابع من شهر تشرين الاول المقبل موعدا للنطق بالحكم.
في بداية الجلسة ترافع المحامي قبلان عن الدولة اللبنانية فإستعرض وقائع الجريمة وخلفياتها وادوار المتهمين الذين بجريمتهم ارادوا زعزعة السلم الاهلي وضرب هيبة الدولة.
ثم ترافع المحامي ياسر عاصي عن زوجة الشهيد شهاب، الذي اعتبر ب"اننا فُجعنا مرتين الاولى بسقوط الشهداء والثانية بتقاعس الدولة عن ادائها الحد الادنى من الواجب تجاه الشهداء"، وسأل، بعد ان نوّه بعمل المحقق العدلي القاضي الراحل ريمون عويدات ليتوقف التحقيق سبع سنوات بعد ذلك،" هل كان قرار إقفال الملف سياسي واين كان القيمون على القضاء من هذا الامر". ثم استعرض بدوره افادات الشهود ليصف الشاهد عامر درويش ب"الشاهد الملك" الذي اكد بان وسام طحيبش كان احد منفذي الجريمة. ورأى ان افادة الاخير عزّزت اتهامه ملقيا الضوء على عدة واقعات فيها ليخلص الى اعتبار انه كان له رئيسي في الجريمة.
وترافع المحامي منيف حمدان عن المدعية عائلتا الشهيدين هرموش وبو ضاهر، فتوجه الى القتلة قائلا:"لو عرف الجناة ان دولتنا وقفت الى جانب القضية الفلسطينية ضد العدو الصهيوني لما فعلوا ما فعلوه، واعتبر ان الجناة الذين قتلوا قضاتنا قتلوا العالم كله بذلك مقسما المتهمين الى ثلاثة فرقاء نفذوا الجريمة.
اما لجهة طحيبش، فرأى ان جميع القرائن تدل انه احد المشاركين الفاعلين في عملية الاغتيال مركزا على افادة عامر درويش في هذا المجال، مستفيضا في شرح الظروف التي حصلت فيها الجريمة وخلفياتها واهدافها.
وتبنى كل من المحاميين بلال بوضاهر وغادة جنبلاط مرافعة زميلهما حمدان.
وفي مرافعته اعتبر المحامي سليم سليم الذي اصيب اصابات بليغة انه"الشهيد الحي" محددا مكامن الاصابات والعلاج الطويل الذي لا يزال يخضع له متبنيا بدوره مرافعة حمدان.
ثم ترافعت ممثلة النيابة العامة القاضية ميرنا كلاس التي اعتبرت ان القضاة هم في هذه القضية اولياء الدم ، مشددة على انها هدفت الى ضرب القضاء واستقرار الوطن. وتوقفت عند كيفية محاربة القاضي بجرأته وقلمه وبدمه الطاهر. وشرحت بإسهاب كيفية حصول الجريمة التي هزت ليس فقط لبنان وانما العالم بأسره متحدثة عن حالات قصور العدل التي تعاني هشاشة في الامن وفي الافتقار الى المعدات، "ورغم ذلك لا يزال القضاة يناضلون وهم ناضلوا بصمت ليرتفعوا الى مرتبة الشهداء".
واخيرا ترافع المحامي ناجي ياغي وكيل طحيبش الذي فنّد افادة الشاهد درويش الذي اتهم موكله من دون الاستناد الى اي دليل سوى انه سمع من فلان عن مشاركته في الجريمة، واوضح ان موكله اوقف 11 عاما في ملفات عديدة وخرج بريئا من جرائم قتل إتهم بها ، ليعود المحقق العدلي الى اتهامه بجريمة اغتيال القضاة بعدما كان شاهدا فيها. وقال: لو لم اكد متأكدا من براءة موكلي لوقفت حيث تقف جهة الادعاء منتهيا الى طلب البراءة لموكله.
وقبل ختم المحاكمة أُعطي الكلام الاخير لطحيبش فقال: "اطلب ان تحكموا بالعدل وان ترفعوا عني الظلم لانني مظلوم".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.