لم يكن من باب الصدفة بروز مؤشرات جديدة ومتلاحقة تثبت للمرة الألف أن لبنان ليس جزيرة معزولة عن العالم، وأن حكومته الجديدة ليست "حكومة حزب الله" – كما يزعم البعض- وإنما هي حكومة كل اللبنانيين، ولا تحظى باهتمام عربي ودولي وحسب، وإنما أيضاً بمتابعة حثيثة لأولوياتها وخصوصاً برنامجها الاستثماري الذي أقر في مؤتمر "سيدر".
فبعد المسؤولين العرب الذين قدموا إلى بيروت عقب تشكيل الحكومة، وفي مقدمهم الموفد السعودي المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا، وقبيل زيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح إلى لبنان التي أعلن عنها رئيس الحكومة سعد الحريري إثر لقائه في قمة شرم الشيخ، حضر الى بيروت المبعوث الفرنسي المكلّف متابعة تنفيذ مقررات "سيدر" السفير بيار دوكان، ومن ثم مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد، وبعده وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية اليستر بيرد ووزير الدولة في الخارجية الألمانية نيلز آنين.
هذه الزيارات المتعاقبة تعني أمرين اثنين يدحضان لازمة "حكومة حزب الله":
الأول: أن الدول التي يمثلها هؤلاء الموفدون تفصل علاقاتها بلبنان وبحكومته عن موقفها من "حزب الله" الذي صنّفه بعض هذه الدول "إرهابياً".
والثاني: أن الدول المشار إليها تتعامل مع الحكومة اللبنانية بوصفها حكومة كل لبنان – بتعدّديته وتوازناته – لا حكومة فريق، بدليل متابعة هذه الدول لبرنامج "سيدر" واستمرار التزامها بالعمل على تنفيذه.
معنى ذلك أن سياسة "ربط النزاع" التي اعتمدها الرئيس سعد الحريري عشية تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام العام 2014، ثم كرسها مع التسوية الرئاسية العام 2016، لم تحظَ بتقدير محلي وحسب، وإنما بتأييد عربي ودولي مماثل، مبني على قاعدة الفصل ما بين رفض سلاح الحزب وأدواره في المحيط، وبين وجوب الالتفات إلى أولويتي سير المؤسّسات ومعالجة التحديات الاقتصادية والمعيشيّة.
كما يعني ذلك أن بعض اللبنانيين لا يحترفون سياسة المزايدة على قوى سياسية لبنانية وحسب في هذا الصدد، وإنما أيضاً على دول كبرى تناصب العداء لـ "حزب الله" لا بل تدرجه على لوائح الإرهاب.
سئل أحد الموفدين الأجانب الذي حضر إلى بيروت قبل أيام في عشاء خاص مع بعض السياسيين اللبنانيين، في معرض حديثه عن مخاطر الدور الإيراني في المنطقة: هل تخشى حكومتكم من دور إيراني في لبنان؟ أجاب: "القلق موجود دائماً، ونحن من جانبنا نكرّر ما ينتابنا من مخاوف في هذا الخصوص. لكن يكفي أن الحكومة والسلطات اللبنانية مجتمعة لم تقبل حتى اليوم الخوض في أي عرض إيراني يتعلّق بمساعدة عسكرية أو إنمائية للبنان، رغم كثرة العروض الشفهية، لنطمئن أن لبنان ما زال سيّداً ومستقلاً وملتزماً بالمعايير الدولية التي تحيّده عن السياسات الإيرانية".
ولدى سؤاله عن مواقف بعض السياسيين الذين يصنّفون الحكومة بأنها "حكومة حزب الله"، أو يعتبرون أن لبنان يخضع لسيطرة الحزب، أجاب مستهجناً: "غريب أن يقدّم بعض من يعارض سياسات "حزب الله" انتصارات وهمية للحزب!".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.