ماذا حدث من جديد حتى يصحو بعضهم لمحاولة نسف دستور الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان، وعلى أساسه تخلت الميليشيات عن اسلحتها وانخرطت في السياسة؟ فمسألة مجلس الخدمة المدنية كأنها اول الغيث والاعتراض على عدم التوازن المذهبي في نتائج امتحانات هذا المجلس. وهذا ليس سوى استمرار جهود بعض الذين لم يوافقوا أصلاً على الطائف يدعمهم حزب إيران وبشار الأسد (الذي ناصب والده حافظ العداء لهذا الدستور وعمل على اجهاضه وعدم تحقيقه)، لانه يتضمن في بنوده انسحاب الجيش السوري من لبنان أنئذٍ. والمعروف أن الطائف نص على المناصفة بن المسيحيين والمسلمين في الفئة الاولى لتخضع الفئات الاخرى للامتحانات ينجح فيها من ينجح دون الاخذ بالمناصفة. يريدون تعميمها على كل الوظائف يعني ذلك مناصفة تامة أي محاصصة تامة تلغي الكفاءات غير المرتبطة بالاحزاب المذهبية أي لمصلحة هذه الاحزاب لتدخل ما هب ود من المحسوبين على هذا الحزب أو ذلك وإن كانوا من أهل الجهل والأمية.
إذا كل الذين لم يشاركوا في مؤتمر الطائف في السعودية يريدون ان يعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء وكأنهم بذلك يسترجعون لغة الحرب قبل عام 1975: لعب على امتيازات طائفة على طوائف أخرى.
ونظن ان صحوة بعضهم قد تهدف إلى نشر الفوضى وشل الحكومة والمؤسسات وتغيير هوية الدولة. كأن الدستور بالنسبة إليهم صحن حلوى يختارون منه ما يختارون ويرفضون ما يرفضون. بل كأن الطريق التي تتم فيها هي مقدمة لنسف الطائف كله تمهيداً للمس بصلاحيات الرئاستين الثانية والثالثة. ومن يتابع هذه الحلقات يجب ان انتهاك صلاحيات رئيس الحكومة بدأت من قبل وربما لا تنفصل عنها حادثة قبرشمون حيث حاول بعضهم فرض جدول الاعمال على الرئيس الحريري. والحكاية ذاتها فالذين لم يشاركوا في مصالحة الجبل التي تمت بجهود بطريرك الاستقلال صفير يرددون أن المصالحة لم تتم فالجبل وذلك لأنهم لم يكونوا في البلد عندما انجزت. وإذا كانت محاولة نسف الطائف قد تؤدي إلى فتنة سياسية فإن التشكيك بالمصالحة قد يؤدي إلى صراعات بين المسيحيين والدروز وبين الدروز والدروز. وهنا يلعب حزب إيران دوراً أساسياً. فهو من ناحية يسعى إلى تفكيك الدولة ليستولي عليها، ومن ناحية أخرى يستهدف بعض الزعماء المعارضيين وعلى راسهم وليد جنبلاط وصولاً إلى الرئيس الحريري فإلى سمير جعجع. فهؤلاء الثلاثة يشكلون درعاً قوية في صد محاولات الحزب. هذا ما يحاول حزب إيران من خلال استهدافه جنبلاط أي إلغاء كل صوت معارض تيمناً بالتجربة الاسدية التي أدت إلى قيام ثورة الارز وطرد الجيش السوري من لبنان. ونظن أن اجتماع رؤساء الطوائف المسيحية والاسلامية بدعوة من شيخ عقل الدروز نعيم حسن ومشاركة المفتي عبداللطيف دريان والبطريرك الراعي ونائب المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى علي الخطيب، والمفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان كان له الاثر الكبير في وضع النقاط على الحروف في كلماته وبيانه الختامي.
فهم أكدوا "التمسك بالثوابت التي ارساها الدستور واجمع عليها اللبنانيون داعين إلى الالتفاف حول المؤسسات الرسمية الدستورية والقضائية والامنية" وناشدوا المزيد من الوعي والتضامن الوطني لتجاوز المخاطر التي تتضاعف في ظل ما يحاك من مشاريع ومخططات تستهدف إعادة رسم خارطة المنطقة. وقال المفتي دريان إن الرئيس الحريري مؤتمن على الثوابت الوطنية الكبرى ولن يفرط فيها، وهو يحافظ على صلاحياته الممنوحة له دستورياً. ودعا نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى علي الخطيب إلى عدم نكء الجراح وافتعال مشكلات جديدة لغايات سياسية. كما ان البطريرك أكد وجوب التمسك بالدستور والوحدة الوطنية والسلم الاهلي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.