8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

العراق: حرب الطرق

مسار المواجهات العسكرية في العراق طبيعي ومنطقي. وانتقال المعارك من النجف الى الفلوجة، كان متوقعاً. فالحرب الدائرة في العراق، تفرض هذا الانتقال والتمدد، من دون أن تفرض النتائج المطلوبة.
الأميركيون بحاجة ماسة لهذه المعارك، لربح "الحرب الكبرى" وهي فرض الأمن والاستقرار، بعد أن ربحوا "الحرب الصغرى" وهي حرب الغزو وخسروا الأهداف التي رسموها لها. فهذه الحرب كما قال جون كيري المرشح الديموقراطي للانتخابات الرئاسية: خطأ في المكان والزمان والهدف. والتصعيد الكبير في المواجهات حالياً، في الذكرى الثالثة للحادي عشر من أيلول، ليس صدفة، كما أن تصعيد الحملة الانتخابية في أميركا على وقع تطورات العراق ليس صدفة.
الأميركيون ومعهم الحكومة العراقية الموقتة، وجملة تطورات محلية واقليمية، نجحوا في خنق ووأد "انتفاضة السيد مقتدى الصدر". فالصدر الثالث، دخل في المواجهات مع الأميركيين في المكان الخطأ والتكتيك الخطأ. ففي حالة النجف لا تكون الانتفاضة ضد القوات الأميركية مواجهات شاملة حتى ولو كان "خط ماجينو" الذي لا يقهر قائم في الصحن العلوي الشريف بكل مقدساته، ولا في قذف الألوف من رجال الميلشيات غير المدربة ضد أضخم وأحدث آلة عسكرية في العالم. الى جانب ذلك فإن الهدوء في الغرب حيث "مثلث الموت"، قدم للأميركيين فرصة تكتيك مواجهة "الجزر" الأمنية، بدلاً من الأرض المفتوحة على تضاريس جغرافية واجتماعية تغذي المواجهات بدلاً من أن تضعفها.
بعد تهدئة الجنوب، الذي لا يعني أن الحرب قد انتهت، والذي ربما تحقق تحت وطأة الأخطاء وتشكل قوى قادرة على معارك الأنصار المربكة، سيكون للطريقة التي سيتبعها الأميركيون والحكومة الموقتة العراقية مع السيد الصدر وجيش المهدي أثرها الحاسم في نشوء أو عدم ولادة التحول. فالصدر الثالث، رقم صعب مستحيل لأسباب تاريخية وعائلية ومرجعية، علماً أن خسارته للصحن العلوي، هي خسارة مادية ضخمة (تقدر عائدات الزيارات الشهرية بنحو 75 ألف دولار)، وانكفاء جيش المهدي هو خسارة عسكرية وباختصار فإن الصدر الثالث الذي خسر الثروة والسلاح، هو غير الصدر الثالث قبل عام.
وأما فتح ملف الفلوجة بكل ما أصبحت ترمز الى واقع جغرافي هو "مثلث الموت"، فإنما يعود الى سباق ضد الزمن تخوضه القيادة الأميركية ومعها الحكومة الموقتة العراقية. وهذا السباق هو عملياً سباقات عدة في واحد. فالقيادة الأميركية حيث ينشغل جورج بوش بالانتخابات الرئاسية تريد أن تصل الى استحقاق الانتخابات في تشرين الثاني، وقد تقلصت الخسائر البشرية الى أدنى حد، خصوصاً بعد أن أصبح كل قتيل إضافة الى رقم الألف قتيل، والمعادلة بسيطة إذ كل قتيل جديد هو قوة دفع أكبر لخسارة بوش نقطة إضافية في السباق الى الرئاسة. وكذلك الى التكلفة المادية الباهظة والتي وصلت الى 200 مليار دولار.
السباق أميركياً هو تصعيد الحرب ضد الإرهاب ففي ذكرى 11 أيلول ليس أعز على قلب الأميركيين من الشعور بأن الحرب المستمرة ضد الإرهاب هي حرب رابحة وأن خسائرها تساهم في إبعاد خطره عن الداخل الأميركي. والخلط القائم بين المقاومة والإرهاب في العراق مقصود أميركياً، لرفع درجة "تشريع" هذه الحرب المكلفة جداً.
ولا شك أن مسألة بناء الدولة العراقية، هي في قلب هذا السباق. كل نجاح في هذه العملية يعني خطوة الى الأمام في تشريع الوجود الأميركي من جهة، وفي تسريع عملية انسحابه من جهة أخرى، كما يعد الأميركيون أنفسهم. ولذلك يجب التفريق بين ما تقوم به فصائل المقاومة العراقية المتعددة المصادر والتوجهات لتحرير العراق من الاحتلال الأميركي وما تقوم به الفصائل الإرهابية المرمزة بالزرقاوي. فهذه الفصائل تريد وتعمل لاستمرار العراق أرضاً مفتوحة للحرب ضد الأميركيين، وكلما تأخر قيام الدولة العراقية كلما شرعت عملياً هذه الحرب المفتوحة.
وإذا كانت هذه "الحرب الكبرى" متداخلة في أهدافها أميركياً وعراقياً، فإن هدفها التكتيكي حالياً هو فتح الطرقات لئلا تختنق بغداد ويقع الأميركيون في فخ تحويل وجودهم الى "جزر" تشكل كل عملية تواصل بين الوحدة والأخرى، عملية خطرة. فالأميركيون يعرفون أن قطع الطرق عسكرياً يعني خسارة الامدادات السريعة وهو من نوع وضع "السكين على الوريد". ولذلك يطلقون على "مثلث الموت" وغيره من "المثلثات"، "أرض الهنود". وترجمة ذلك تاريخياً، تصفية هذه "الأراضي" بكل الوسائل الموجودة والممكنة. ويمكن تلخيص "حرب الطرق" جغرافياً على النحو التالي:
طريق الغرب وهو يمتد من الحدود الأردنية الى بغداد عبر الفلوجة (التي أصبح يطلق عليها الإمارة المستقلة") والرمادي.
طريق الجنوب الكويت ـ البصرة ـ بغداد عبر اللطيفية والمأمونية وعلى هذا الطريق خطف الصحافيان الفرنسيان. وهذا التواجد والتعاون قائمان بين مجموعات محلية ومجموعات الفلوجة.
طريق الشمال وهي تمتد من الحدود السورية تلعفر ـ الموصل، والتصعيد الضخم الأميركي في تلعفر يعود الى اعتقاد أميركي بأن المنطقة هي ممر للامدادات والرجال الى الداخل العراقي علماً أن وزير الداخلية العراقي فلاح النقيب أكد خلال زيارته لسوريا ولقائه للرئيس بشار الأسد عن وجود "تنسيق كامل" مع سوريا لضبط الحدود"!.
هذه الحرب مفتوحة على كل الاحتمالات. فالأميركيون يريدون إنهاءها بسرعة. وكلما خسروا يوماً في زمن الحرب كلما ارتفعت خسائرهم وقلت حوافزهم على المواجهة علماً أن الهزيمة بالنسبة لواشنطن (سواء حكمها الجمهوريون أو الديموقراطيون) مستحيلة. وكل خسارة يوم للأميركيين تعني فترة إضافية للمقاومة لرفع درجة استعداداتها ودفع "الجزر" القائم حالياً نحو التمدد والتواصل تمهيداً لقيام مقاومة وطنية حقيقية مؤهلة لمواجهة أخرى لا تقل أهمية عن الحرب ضد الأميركيين وهي محاصرة وضرب الفصائل والقوى الإرهابية التي تخطف وتذبح باسم تحرير العراق، في وقت تسحب فيه أمام الرأي العام العالمي حق العراقيين في المقاومة خوفاً من السقوط في فخ الإرهاب!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00