8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

مؤتمر انابوليس فتح مسار المفاوضات الأميركية ـ السورية ـ الإسرائيلية بغياب طهران القلقة من أثمانه

مؤتمر انابوليس، بداية وليس نهاية. لكن ليس بالضرورة أن يكون لكل بداية نهاية. بعض البدايات، تضع خطاً وتتركه مفتوحاً على المستقبل بكل تطوّراته وتعقيداته وحتى غموضه. هذه القراءة ليست تشاؤماً، ولا موقفاً مسبقاً من الولايات المتحدة الأميركية ومواقفها، إنها واقعية سياسية دقيقة.
الرئيس جورج بوش لم يكن أصلاً مهتماً بالعثور على حلّ للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، حتى أنه لم يتكلم عنه لدى تسلمه الرئاسة. اكتفى بواقع ما توصّل إليه سلفه الرئيس بيل كلينتون، قبل نهاية ولايته، وهو يقف على شفير هاوية كأسوأ رئيس للجمهورية في الولايات المتحدة الأميركية، تذكر النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فوجد فيه مساحة يمكنه التحرّك على مختلف زواياه، وإحداث جلبة إعلامية ضخمة في بلاده تخرجه ولو قليلاً من صورته المأسوية.
غموض مؤتمر انابوليس
هذا الوضع هو الذي جعل من مؤتمر انابوليس غامضاً. الآن حتى لحظة افتتاحه لا يعرف أحد بدقة هدفه الحقيقي: هل هو فعلاً لفتح باب التفاوض والعثور على بداية لحل النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية، أم هو لبحث ملفات ساخنة أخرى مثل العلاقات الأميركية ـ السورية على خلفية دور الغائب ـ الحاضر الايراني؟ أم ان المؤتمر هو محاولة لإعطاء ايهودا اولمرت ما لم يستطع تحصيله وحده؟.
مهما يكن، هذه المباحثات التي يراد منها فعلاً فتح باب المفاوضات تجري بين ضعفاء لا يستطيعون أن يشكّلوا ولو مجتمعين قوة تخرج عربة الأزمة من مستنقعات المنطقة. الرئيس جورج بوش الذي يودّع البيت الأبيض يضغط على الوقت لعله يتوقف قليلاً ليساعده على النجاح في مكان ما من هذا العالم. ايهودا اولمرت يداوي علل حرب تموز من العام الماضي التي أدخلته في نفق طويل لا تساعده قامته وقدرته على عبوره يريد أن يساعده الآخرون قبل أن يسأل عما سيقدمه للآخرين. أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فإنه في حالة لا يُحسَد عليها نتيجة لاقتطاع "حماس" غزة، ومحاصرة مختلف الدول والقوى للشعب الفلسطيني، مما يصعّد حالة الرفض والمعاندة حتى الوصول إلى فَخ الانتحار الجَمَاعي.
تأخر انعقاد هذا المؤتمر ـ المظاهرة كثيراً. كان يجب أن يعقد عندما كان جورج بوش قوياً، قبل أن يدخل أتون الحرب العالمية الثالثة ضد الإرهاب بعد كارثة 11 أيلول من العام 2001. وأيضاً قبل أن ينزلق بسرعة إلى المستنقع العراقي عام 2003. وبالتأكيد عندما كان الجنرال ارييل شارون قوياً يستطيع أن يفرض، وقبل أن يزول "معسكر السلام" في إسرائيل نفسها والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات حياً وجامعاً للقرار الوطني الفلسطيني المستقل، يومها كان يمكن للأقوياء الدخول من بوابته وصولاً إلى نهاية محددة في "خارطة طريق" واضحة.
عودة دمشق
هذا الفشل المحتمل يجب ألا يثير الفرح ولا الاعجاب، إنه فشل خطر وخطير. لأن وحدهم القادرين على التعامل مع هذا الفشل من موقع الضد، هم الرابحون. دمشق العائدة إلى "الطاولة الأميركية" عبر هذا المؤتمر، ستبدأ في مفاوضاتها من حيث انتهى المؤتمر، وهي قادرة على ذلك، لأنها قدّمت نفسها منذ البداية خصماً حاضراً في العراق وغزة ولبنان. طبعاً لبنان هو الحاضر الأساسي على هذه الطاولة الأميركية ـ السورية وليس من المبالغة التأكيد على ان المفاوضات الأميركية ـ السورية قد بدأت، وليس هناك ما يؤكد إذا كان مصير لبنان ومستقبله هو البداية والجَوْلان هو النهاية، أو العكس صحيح.
المسار السوري ـ الأميركي بدأ. ومن الطبيعي جداً أن يتلازم معه مسار آخر هو السوري ـ الإسرائيلي. فواشنطن كانت الحاجز أمام انطلاقته علناً، حيث لا يمكن للنفي نفي الواقع ووقائعه. ومثل كل المسارات الصعبة والدقيقة، فإنّ لكل شيء ثمنه. لا توجد "هدايا" ولا خدمات مجانية. السؤال ماذا ستقدم دمشق مقابل ما سيُعرض عليها والعكس صحيح؟.
هنا، يصل الدور إلى طهران، فهي الغائب ـ الحاضر الكبير في مؤتمر انابوليس، ولذلك رفضته جملة وتفصيلاً واعتبرت المشاركة فيه تخاذلاً، رغم أن دمشق أبرز المشاركين فيه. والسؤال هنا ماذا سيكون موقف طهران من أي تنازل سوري؟ رغم التحالف الضروري بينهما؟ علماً ان طهران تعرف جيداً ان الهدف الحقيقي للمسار الأميركي ـ السوري هو الوصول إلى "محطة" إخراج دمشق من التحالف مع "محور الشر" وبالتالي استفراد طهران!.
طبعاً دمشق لن تقدم تحالفها مع طهران "كبش محرقة" على مذبح طموحاتها لعلاقات طبيعية مع واشنطن. لأن دمشق بلا طهران ستكون عارية ومستضعفة رغم مظاهر القوة عليها نتيجة لأي ثمن ستقبضه، ولذلك فإنها ستبقى مثل المنشار تطالب طهران وواشنطن ما تراه مناسباً لها.
المأزق الايراني
مشكلة كبيرة تواجه طهران ودمشق، وهو مستقبل "حزب الله" وموقعه من أي صفقة تعقد. الثلاثة يعرفون جيداً وبوضوح، ان الهدف الأساسي من أي اتفاق هو الحزب، والمطالب تبدأ من إلغائه عبر إلغاء سلاحه ودوره وصولاً إلى "تقليم أظفاره"والحدّ من وجوده من خلال محاصرته وقطع "شرايين"الإمداد والتغذية.
طهران لن تحتمل ولن تقبل إلغاء وجودها في لبنان من خلال العمل على "وأد" "حزب الله" الذي يبقى مهما تبدّلت الظروف وتغيّرت "الابن الشرعي الوحيد" للثورة والدولة الايرانية معاً. ومما يعزّز ذلك ان وجود الحزب لم يعد يعني فقط المواجهة مع إسرائيل، وإنما امتد ليصل إلى ركائز العلاقات الايرانية ـ الفرنسية وصولاً إلى أوروبا، وقد ثبت أهمية وشمول هذه الحلقة مع اكتشاف باريس عدم امكانية الفصل بين الملف النووي والملف اللبناني خلال التفاوض مع طهران، فإذا كان يهم باريس استقرار وأمن لبنان، فإنّ طهران وإن كان يهمها ذلك إلا أنها لا تفصل بينه وبين التعامل الفرنسي مع الملف النووي، فالتشدّد هنا يقابله التشدّد هناك والعكس صحيح.
أخيراً لبنان والتعلق العلني بحريته واستقلاله، علماً ان مصيره كله هو المعلّق. كلما نجح اللبنانيون بإخراج الحل من الشباك الاقليمية ـ الدولية، تجنبوا دفع ثمن أكبر مما يجب أن يدفع. ولذلك فإن الاسراع بانتخاب رئيس للجمهورية الآن أفضل من أن ينتخب غداً مثلما انه لو انتخب أمس كان أفضل من أن ينتخب اليوم أو غداً.
فتح المسارات الحقيقية والمصيرية في ربع الساعة الأخير يصبح خطيراً جداً على العالقين بين هذه المسارات المفتوحة. واللبنانيون هم أكبر العالقين حالياً، فلتكن الآن ساعة للحقيقة والمصارحة، وخصوصاً أن السلم الأهلي كله في خطر.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00