اللبنانيون مستعجلون أكثر من خافيير سولانا الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، تشكيل الحكومة، لكن العين بصيرة واليد قصيرة. الحل ليس بيد اللبنانيين لأنّ المسألة الاقليمية كما قال سولانا يجب إيجاد حل لها. التداخل بين الحلّين الخارجي والداخلي قائم، والتعطيل باقٍ ما بقيت الأزمة الاقليمية. نقطة على السطر.
تشكيل الحكومة مصلحة للجميع
تشكيل الحكومة في لبنان برئاسة سعد الحريري، واجب وضرورة وحاجة. الفراغ الحكومي عدو للبنان. هذا الفراغ سواء كان رئاسياً أو تشريعياً أو حكومياً، وضع ويضع لبنان كله على كرسي هزّاز في وقت تحيط المشنقة برقبته. نجاة لبنان من الانهيار والموت حتى الآن فعل مصادفة أو الحظ أو الإجماع الخارجي في توقيت معيّن. سولانا يعترف مسبقاً بأنّ الحل ليس اليوم ولا غداً رغم أن:
عملية تشكيل الحكومة هي لمصلحة الجميع.
لأن التحضير وإيجاد الوسائل للاستفادة من انتهاء الأزمة الاقتصادية الدولية مهم جداً.
التحضير أيضاً لمواجهة مرحلة إطلاق مبادرات وخطوات مهمة خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستعقد هذا الشهر.
ترسيخ العلاقات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي وتثمينها يمر عبر الحكومة المشكّلة.
لقد أضاع اللبنانيون أو بالأحرى ضاع على اللبنانيين فرصة نهوض عظيمة مع فورة أسعار النفط الثانية، مثلما حصل معهم مع فورة أسعار النفط الأولى غداة حرب تشرين واندلاع الحروب الأهلية على مساحة الساحة اللبنانية. لم يكن ما حصل منذ العام 1975 قدراً، مثلماً أن ما يحصل حالياً ليس قدراً على اللبنانيين. في الحالتين تتزاوج الإرادات الخارجية مع أوهام قوى داخلية فتقع الكارثة.
أيلول الحالي هو شهر الاستحقاقات بلا منازع ولذلك فإنه ربما سيكون أكثر أشهر السنة حرارة. الرقص فوق صفيحه الساخن سيصنع المرحلة المقبلة. في هذا الشهر، يجب أن يكون الردّ الإيراني على المبادرة الأوبامية جاهزاً. لم يعد من الممكن المماطلة واللعب على الوقت وتحويل المفاوضات إلى مفاوضات على المفاوضات، كما جرى طوال السنوات الثلاث الماضية. أيضاً يجب أن تعرف الإدارة الأوبامية الردود الحقيقية والنهائية من دمشق حول كل ما يتعلق بالعراق، وفي الأمم المتحدة في 24 أيلول، على الرئيس الأميركي أن يضع أمام العالم كله خطته للسلام في الشرق الأوسط. التأجيل والمناورة والصبر على لعب الثنائي بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان يعني التسليم لهما بما يريدان وهو إلغاء قيام دولة فلسطينية وعدم الانسحاب من الجولان، والبقاء في مزارع شبعا. باختصار الإبقاء على بركان الشرق الأوسط مصنعاً للعنف الأسود، الذي تؤكد كل الأحداث والتطورات ان العنف يستولد دائماً عنفاً أشد مما جرى، وأكثر تطوراً وجاهزية من كل ما سبقه.
الهدوء الحذر
الهدوء الحذر السائد في لبنان، رغم الأزمة، يعود إلى ان المفاوضات بالنار تجري بعيداً في العراق وحوله. انفجار الأزمة بين دمشق وبغداد المالكي، جزء من كل هذه المفاوضات حول العراق. للأسف العراق قالب الجبنة الذي تتحلق حوله القوى الاقليمية والدولية لاقتطاعه وأخذ حصة تكون أكبر من الآخرين أو أكثر مما مقتطع له. واشنطن هي المايسترو في كل هذه اللعبة. لكن أيضاً هي طرف لأنها الغريق الذي يريد أن يخرج سالماً ومحافظاً على دوره.
في اللحظة التي تحادث فيها الرئيس بشار الأسد مع المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي حول قيام اتحاد أو تحالف يجمع: إيران وتركيا وسوريا والعراق زرع قنبلة موقوتة لم يكن عليه زرعها. واشنطن التي ترغب في الانسحاب لا يمكن لها قبول مثل هذا المشروع حتى في أسوأ كوابيسها، توافق العراق مع سوريا غير مقبول تاريخياً، رغم أنه ضرورة تاريخية للعرب. توافق إيران الإسلامية المعادية للغرب مع تركيا الطامحة لأن تكون أوروبية أخطر بكثير من اتحاد سوريا والعراق. فكيف بمثل هذا الاتحاد الرباعي، الذي يقلب كل المعادلات ويصيغ نظاماً اقليمياً جديداً تتغير فيه خريطة منطقة الشرق الأوسط؟، حيث هذا التحالف أو الاتحاد قادر على فرض رؤيته ونهجه على القوى الاقليمية وحتى الدولية.
الرفض الأميركي لمثل هكذا تحالف أو اتحاد طبيعي جداً وواقع لا يمكن تجاهله. الهدوء في تعامل واشنطن في إعلان رفضها، عبر ترطيب الأجواء وعدم صب الزيت على نار المالكي، يعود إلى انها تريد تمرير مصلحتها الآنية وهي إنجاز انسحاب عسكري هادئ وضمان تهدئة الوضع في العراق أولاً أما المصالح الاستراتيجية الأخرى فيمكن طبخها بعيداً من النار الحامية للوضع العسكري الملحّ في العراق.
رئيس الوزراء نوري المالكي، وضع يده على الجرح. لا أحد يمكن أن يتخيّل للحظة واحدة ان تكون دمشق جالسة مكتوفة الايدي على حدود طولها 1600 كلم وخريطة القوى العراقية تتشكل يومياً وعلى أساسها تتم صياغة خريطة العراق الجديد. دمشق في هذه الحالة لاعب بالطبيعة. المشكلة ان دمشق كانت دوماً وما زالت التجربة اللبنانية مدرسة تتعلم فيها كل القوى البراغماتية التي تسيطر على مشاعرها والتزاماتها الفكرية والايديولوجية تلعب بلا مشاعر ولا التزامات خارج مصالحها الأساسية السياسية والأمنية والاقتصادية.
مشكلة المالكي، انه لاعب متأخر. بعد خمس سنوات استيقظ، فبدا وكأنه يعمل وفقاً لحسابات شخصية فقط. استبعاده من التحالف العراقي الذي تشكل لخوض الانتخابات المقبلة دفعه لشنّ هذا الهجوم. خسر المالكي المعركة قبل أن تبدأ. لا واشنطن قادرة على دعمه في وقت تتفاوض فيه مع دمشق وتنتظر فيه ردّ إيران، ولا دمشق مستعدة للمهادنة معه، وهي تتفاوض مع واشنطن انطلاقاً من وقائع الأرض في العراق، على موقعها وحصتها في عراق الغد.
الواجب يدعو كل القوى المعطلة في لبنان أن تخرج من دورها التعطيلي. حل الأزمة حالياً ممكن مع بعض التنازلات المتبادلة. إذا جاء 24 أيلول، والأزمة قائمة على الصعيد الاقليمي والدولي معاً، والخيارات أصبحت بين الحصار والحصار، والعصا الغليظة أو الرفيعة، فإنّ لبنان سينتقل إلى خط النار.
يبقى ان كل ذلك سيكون في كفّة، وتحريك المسارات في المفاوضات مع إسرائيل كما تخطط واشنطن، في وقت يكون لبنان غارقاً في الفراغ في كفّة أخرى. لبنان قد يواجه حلولاً على حسابه، التوطين منها بداية وليس نهاية.
الهدوء الحذر السائد حالياً، قد يصبح في خبر كان، والأزمة الحالية ستتولد أزمات أقسى وأخطر.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.