8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ساركوزي يستبق مؤتمر موسكو للسلام في الشرق الأوسط بعقد قمة متوسطية خليجية ـ دولية يحضرها الأسد

فرنسا الساركوزية، تخترع أدواراً لها لتؤكد بها حضورها السياسي، بينما فرنسا الديغولية والميترانية والشيراكية، كانت تضع لنفسها وللآخرين أدواراً تؤكد بها مكانتها الدولية وقدراتها في مواجهة المشكلات في جميع المجالات. ما يهم فرنسا الساركوزية حالياً التوقيع على المزيد من العقود الضخمة للتأكيد بأن الأهم هو الحصول على اليورو وليس كيف ولماذا ومن أي جهة، ودعم إسرائيل مع الإصرار على أن بعض العلاقات الشخصية مع بعض القيادات العربية كافية للتغطية على هذا الانحياز الكامل الذي وإن حصل مرة في تاريخ فرنسا الحديث فإنه لم يتكرر إلا الآن.
لبنان بالنسبة لفرنسا لم يكن يوماً ملفاً يبحث فقط. ولا دولة صديقة تدعم فقط. كان لبنان دائماً في مركز القطع والوصل في علاقات فرنسا مع المنطقة. مع فرنسا - الساركوزية، تراجع موقع لبنان في السياسة الخارجية الفرنسية. أصبح لبنان ملفاً من الملفات يحتل موقعه من السياسة الخارجية حسب الأوضاع والمتغيرت. يتقدم على غيره من الملفات إذا كان لتقدمه أهمية أو قوة دفع للسياسة الفرنسية في مواقع أخرى. ويتراجع لبنان كما هو حاصل حالياً إذا كان لا يقدم ولا يؤخر في مواقع أخرى، أو حتى إذا كان يمكن استثمار ذلك في ملفات أخرى.
بيروت المحطة
لبنان حالياً خرج من دائرة العلاقات الفرنسية السورية، باريس تعتبر أن علاقاتها مع دمشق تتقدم كثيراً على لبنان. لذلك تقول وتشدد أن دمشق أدت قسطها للعلى في الملف اللبناني ونفذت وعودها لها، من إنشاء السفارة في بيروت، وترك الانتخابات التشريعية تتم بهدوء وبدون ضغوط، ما انتج سقوط المعارضة اللبنانية الحليفة لها، أما كيف أن هذا السقوط لم ينتج تغييراً في المعادلة الداخلية، بحيث لا يمكن للأكثرية أن تكون أكثرية وأن تكون الأقلية ممسكة باسم الشراكة بمفاتيح الحل، فهذا ليس من الضروري ملاحقته ولا معالجته ولا متابعته فرنسياً مع دمشق.
فجأة هبط في بيروت ودمشق أعضاء الحلقة الضيقة في صناعة السياسة الخارجية في الاليزيه. العلاقات بين الرئيس نيكولا ساركوزي ووزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير ليست على ما يرام. أصبح للوزير القوة ليخالف رأي رئيسه علناً. دستورياً، وزير الخارجية يعمل مع الرئيس. السياسة الخارجية لفرنسا صياغةً وملاحقةً خاصة بالرئيس. المهم أن الثنائي كلود غيان جاء الى دمشق وهنري غينو حضر الى لبنان.
هنري غينو المستشار الخاص للرئيس الفرنسي، أبلغ اللبنانيين أنهم هم من يسيطرون على قدرهم علماً أن كل التطورات تثبت أن اللبنانيين يمسكون بجزء من قدرهم، أما الجزء الآخر ـ وهو مهم جداً ـ فإنه ممسكوك من الخارج خصوصاً من دمشق وطهران.
الواقع يؤشر الى أن غيان وغينو حضرا الى دمشق وبيروت لملاحقة ومتابعة ملفات أهم بكثير لفرنسا الساركوزية من دعم لبنان ومساعدته على أفضل وجه ممكن.
الرئيس نيكولا ساركوزي الذي ينفذ سياسة داخلية تنقصها الرؤية على طريقة سباق الحواجز يدرك أنه لن يصل الى هامة ديغول كما كان يحلم بأن يصبح نابليون فرنسا ولا حتى الى هامة فرنسوا ميتران، لذلك يريد أن يدخل التاريخ من بوابة الشرق الأوسط.
سلاح ساركوزي في ذلك صداقته والتزامه بإسرائيل، وعلاقات عامة ناجحة مع بعض الزعماء العرب من جهة، ومن جهة أخرى الارتكاز على الرئيس بشار الأسد الذي أخرجه من العزلة وأعاده الى مقدمة المسرح الدولي، علماً أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال علناً في باريس: لقد عزلتنا باريس وحاصرتنا، ونحن بدورنا وقفنا ضدها. صالحتنا فصالحناها. واحدة بواحدة.
السباق الساركوزي مع موسكو
أولويات السياسة الساركوزية حالياً والتي صاغت جولة غيان غينو:
[ العمل لإقامة قمة استثنائية لدول الشرق الأوسط في باريس تشارك بها روسيا والولايات المتحدة الأميركية وبعض دول الخليج العربية. هذه القمة يريد ساركوزي انعقادها بسرعة بعد أن أنجزت موسكو التحضيرات لعقد المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط عندها، بعد أن ضمنت مشاركة إسرائيل فيها، نتيجة لايقافها توريد صواريخ اس 300 الى إيران خلال زيارة بنيامين نتنياهو السرية الى موسكو. ساركوزي اقترح هذه الصيغة للمؤتمر الدولي خوفاً من أن تسرق موسكو منه الدور الذي يحلم به. والرئيس الفرنسي يعتبر مشاركة الرئيس بشار الأسد فيه مفصلية، إذ بدونه ليس للمؤتمر أهمية. ساكوزري مستعجل على عقد المؤتمر الى درجة أنه يريده في أواسط الشهر القادم أو مطلع شهر كانون الأول، بحيث لا يحل العام القادم إلا والمحادثات الجدية للسلام قد بدأت.
[ حضور لبنان مهم في هذا المؤتمر، لأن السلام يجب أن يكون شاملاً، والمباحثات يجب أن تشمل لبنان.. بلا لبنان يبقى مسار السلام ناقصاً. ساركوزي يعرف أن مشاركة لبنان هي الأصعب لأن النقاش الداخلي حول هذه المشاركة داخلية وخارجية. ربما يعتقد ساركوزي أن الرئيس السوري بشار الأسد هو الأقدر على إقناع حلفائه في المعارضة خصوصاً حزب الله على رفع اعتراضاتهم وممانعتهم، لذلك جاءت هذه الجولة لغيان وغينو. أن باريس تريد أن تكون شريكة في أي بحث تعتقد أنه أصبح مطلوباً وحتى ملحاً لتعديل الميثاق الوطني اللبناني (اتفاق الطائف) بهذا يستطيع ساركوزي الإعلان بأن مستقبل لبنان ما زال يعني فرنسا تحت بند المحافظة على الدور المميز للبنان في العالم وفي المتوسط.
[ أن دمشق وبيروت هما محطتا عبور الى الإمارات العربية حيث الجائزة الكبرى لساركوزي في اتمام صفقة العمر إذا صح التعبير، وهي صفقة المفاعل النووي بقيمة أربعين مليار دولار، والتي إذا انجزت فإن الباب سيشرع أمام فرنسا لعقد صفقات أخرى في منطقة الخليج في زمن حصلت فيه إيران على القوة النووية.
لبنان لا يستطيع أن يغير سياسة الرئيس الفرنسي الخارجية، إذ لدى ساركوزي اهتمامات خاصة بفرنسا وبدوره. لكن يجب أن يكون كل شيء واضحاً، حتى يصيغ لبنان وضعه على ما لا تستطيع فرنسا الساركوزية تقديمه، وأن يكتفي لبنان بايجابيات ما يحصل عليه منها للبناء عليها في علاقاته مع العالم.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00