8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

السباق ما زال مفتوحاً بين سيناريو الأفق المسدود ويوم القيامة وغياب البدائل في مواجهة إيران

الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في منافسة دائمة وحادة مع الرئيس باراك اوباما، منافسة من داخل دائرة التحالف، لذلك ليس هدفها نجاح ساركوزي في إزاحة نظيرة الاميركي، لأنه مهما بلغ طموحه فإنه يعرف جيداً حدوده واختلال موازين القوى بينهما. المنافسة لكي يأخذ موقعاً متقدماً على المسرح الدولي، ويدخل التاريخ ولو في زاوية صغيرة منه، خصوصاً وأن الملفات الساخنة الدولية تتسع لجهود العديد من الزعماء. الأهم أيضاً حتى لا يقال اوباما فقط وإنما اوباما وساركوزي وربما العكس في حالة استثنائية جداً.
تعديل المعاهدة النووية
العام 2010، سيكون عام معالجة السلاح النووي وكيفية نزعه مستقبلاً. معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، سيتم بحثها وتعديلها كما هو مجدول فيها سابقاً. لكن وقوع موعد تعديلها مع وجود الملف النووي الايراني والكوري الشمالي ساخناً على الطاولة، رفع من حرارة التعامل مع حيثيات التطورات. باريس ساركوزي تريد ان تكون سبّاقة في هذا المجال، خصوصاً وأنها تملك دائماً أفكاراً جديدة قابلة للبناء عليها دولياً. لذلك تستعد لعقد مؤتمر حول القوة النووية المدنية في آذار من العام القادم. في قلب النقاشات، الملف النووي الايراني وكيفية التعامل معه.
مصادر فرنسية رسمية خبيرة بالملف النووي، أكدت ان أحد البنود الرئيسية أمام هذا المؤتمر إنشاء بنك دولي لليورانيوم المخصب. هذا البنك فكرة مهمة جداً ومتقدمة، لكنها فكرة قيد الدراسة والبحث. مثل هذا البنك إذا قام يشكّل وحده ضمانة دولية للدول الراغبة والمالكة للقوة النووية المدنية للحصول على الاورانيوم المخصب. لا يعود لهذه الدول مشكلة مع دولة معينة مما يخضعها لضغوطها، علماً ان أي بنك مثل هذا قد يكون مشابهاً للبنك الدولي الذي يقرض دائماً ضمن شروط دولية معينة لا تضمن لكل الدول المقترضة حقوقاً دون التزامات محددة بعضها أصعب بكثير من شروط الدول الكبرى.
في جميع الحالات، إنشاء مثل هذا البنك يتطلب سنوات من الدراسة والإقرار وتوفير الأموال اللازمة، والأهم الحصول على كميات كافية من الاورانيوم المخصب لتوزيعها على الدول الطالبة، يبقى السؤال الأساسي مطروحاً وهو: كيفية التعامل مع إيران، خصوصاً وأن الحسم في المواعيد دخل العد العكسي؟
موعد الحسم يسرّع من طرح الاحتمالات وصياغة السيناريوهات. حتى داخل فرنسا يوجد فريق من الخبراء يقول ان إيران حصلت على شرعية التخصيب بنسبة 3,5 في المئة وهي حالياً تناور للحصول على شرعية التخصيب بنسبة 20 في المئة مع أفضل الشروط الممكنة. وهي في ذلك لا تترك وسيلة إلا وتستخدمها دون أي تحفظات أو رادع، من ذلك انها تمسك علناً بسلاح رفع سعر النفط بكل الوسائل، في فترة لم يخرج فيها العالم من الأزمة المالية. وهي تقوم بذلك مستندة إلى استحالة شنّ الحرب ضدها أو حتى في تحقيق أي نجاح في استصدار قرار يشدد العقوبات ضدها، سراً، لأن الاجماع الدولي مستحيل (في ظل الموقف الروسي والصيني المتحفظ والمعارض)، أو لأن الآخرين، خصوصاً واشنطن وباريس، يعرفون انها قادرة على تجاوز سياسة الحصار والمقاطعة بسبب الخبرة الضخمة التي اكتسبتها بعد ثلاثين عاماً من المقاطعة.
الأسوأ بالنسبة للغرب، ان كل الاحتمالات في هذا المجال تبدو نتائجها سلبية، الدليل ما خلص إليه المؤتمر الذي ضم أفضل الباحثين من ديبلوماسيين وأكاديميين وديبلوماسيين، الذي عقد في جامعة هارفرد، وجرى تسريب خلافاته مؤخراً.
عودة الإمام المهدي
اعتمد المؤتمر صيغة اللعبة التي يتولى فيها المشاركون لعب دور الدول المعنية أي الغرب وتحديداً واشنطن وإيران. نيكولا بيرنز سكرتير الدولة الأميركي السابق، لعب دور الرئيس باراك اوباما، سفير إسرائيل السابق دور غولد لعب دور بنيامين نتنياهو، غاري سيك المستشار السابق في البيت الأبيض في عهود الرؤساء جيرالد فورد وجيمي كارتر ورونالد ريغان، إلى جانب كونه أحد أبرز المختصين بالشؤون الايرانية، لعب دور رئيس الوفد الايراني. النتيجة أذهلت حتى سيك نفسه. لقد نجح الوفد الايراني الذي يقوده في تحقيق النصر على الجميع باللعب على تناقضات كل الأطراف المشاركة في المواجهة. غاري سيك أضاف في النهاية إلى خيبة أمل المشاركين قوله: لقد أصبت بالإحباط، أخطر ما شاهدته ان الاطراف المعنية لم يكن لديها بدائل أو حتى في تخيل ما يلزم أمام الأزمة.
هذه الهزيمة تبقى نظرية وعلى الورق، لأن اللعبة لم تنته وهي مفتوحة في جميع الاتجاهات. أخطر عناصر اللعبة، وكما اكتشفها المشاركون في هارفرد، ان نتنياهو أو مَن يمثله أي السفير السابق غولد رفض أن يعطي لاوباما ومَن مثله أي ضمانات بعدم مهاجمة إيران بدون الحصول على ضوء أخضر أميركي، ما يعني جرّ واشنطن بقوة الواقع نحو الحرب.
استمرار هذا الاحتمال بدعم الفريق الذي ما زال يقول بسيناريو يوم القيامة أي ان الغرب وتحديداً واشنطن لن تسمح بإيران نووية لديها طموحات لا بل سياسات اقليمية تحيلها شريكة لها وللقوى الأخرى في منطقة حساسة وغنية بالنفط مثل منطقة الشرق الاوسط. واشنطن التي وصلت إلى حالة الحرب الشاملة مع صدام حسين لأنه أراد وضع يده على قرار النفط في المنطقة عندما غزا الكويت، لن تتأخر بالتعامل مع إيران بلغة السلاح متى رأت وتأكدت ان عودة إيران عن خططها مستحيلة.
ضمن سيناريو يوم القيامة المطروح، ان الأزمة المالية الدولية تدفع إلى شن مثل هذه الحرب. إيران غنية وامتلاكها للنفط يسمح لها بتمويل إعادة بناء البنى التحتية التي ستدمر خلال حرب ستكون أعنف بكثير وربما مضاعفة مرات عدة مما عاشه العراق والصرب في يوغوسلافيا. الغرب خصوصاً واشنطن بحاجة للأموال الإيرانية، وإيران ليس أمامها سوى الغرب لإعادة بنائها. الذين يطرحون هذا السيناريو يرون ان إيران ليست أقوى من يوغوسلافيا وضمنها صربيا، وهي مهما قالت فإنها لا تملك القوة الصناعية العسكرية العربية. شل خطوط التوتر العالي نهائياً (يجب إعادة بناء الشبكة كما حصل في صربيا) سيشل إيران ويعمي كل أجهزتها الرادارية وغيرها. الهزيمة الايرانية في هذا السيناريو مؤكدة.
الأخطر في هذا السيناريو انه مقفل على احتمال وجود أي ردة فعل إيرانية على شلها وإخضاعها. بالعكس إذ كلما قاومت خارجياً يشرع الحرب ضدها ويجعل من ضرباتها ضرورية. أيضاً ان مثل هذه الحرب ستؤدي إلى تفريغ النظام الحالي من طاقاته في حال لم يسقط وبقي أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية، من الواضح ان سيناريو يوم القيامة يتشارك مع سيناريو الأفق المسدود في مسألة مهمة جداً وهي: عدم وجود البدائل. في مثل هذه الحالة يعرف الخبراء والمخططون ان غياب الخطة ج البديلة للخطة ألف تعني نتيجة واحدة الانزلاق نحو المجهول.
هذا وجه من وجوه الأزمة. الوجه الآخر هو ماذا تريد إيران فعلاً؟ هل حساباتها تستثني سيناريو يوم القيامة رغم وجود احتمال بتنفيذه ولو واحد بالمئة؟ ام ان المهددين الذين يمسكون أكثر فأكثر مفاتيح السلطة، لا يهمهم العالم، ما يهمهم فعلاً عودة الإمام المهدي كما يعتقدون؟

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00