8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

عدم حصول لائحة على الأغلبية وارتفاع نار التدخّل الخارجي يبقي المنافسة بين المالكي والعلاوي مفتوحة

لبننة النظام العراقي تكاد تكتمل. بعد التقاسم الطائفي والقومي غير المتوازن الناتج عن فورة الغزو الأميركي وسقوط النظام السابق، وظهور معادلات سياسية مذهبية وحزبية جديدة، جاء وقت البحث عن صيغة توازن جديدة تحقق تثبيت النظام الجديد. مهما كابرت القوى العراقية الحديثة منها والقديمة، فإنّ هلال اللبننة الذي لاح في السماء العراقية ليلة الغزو الأميركي، يكاد يكتمل بدراً حالياً. كل هذه الانتخابات التي تُوصف بأنها مفصلية وفيها الكثير من الواقعية، محاولة جدّية عبر صناديق الاقتراع أولاً لتحديد موازين القوى، ولكن أيضاً عملية أساسية لصياغة واضحة لمواقع القوى الاقليمية من عربية وغير عربية ودولية في أساسها الولايات المتحدة الأميركية.
طبخة على نار خارجية
العراقيون مثلهم مثل اللبنانيين سيحصلوا على لذّة الاقتراع وترك صناديق الاقتراع تتكلم. حتى اللحظة الأخيرة لفرز الأصوات لن يعرف العراقيون، كما اللبنانيين هويّة الفائز. ليس قليلاً أن يعيش العراقيون هذه الفترة الحسّاسة من تاريخهم الحديث، حيث تداول السلطة بين القوى والأحزاب السياسية أصبح واقعاً وحقيقة. اللبنانيون لم يعرفوا نظاماً ديكتاتورياً حتى يعتبروا الانتخابات امتيازاً، لكن انفرادهم نسبياً بهذه التجربة التي كانت تصل إلى حدود الخلط بين الحرية والفوضى، كان وما زال خصوصية يتمنى الآخرون الحصول عليها كما يجري اليوم مع العراقيين.
أيضاً صناديق الاقتراع وإن كان لها الكلمة الفصل إذا ما احترمت قواعدها، إلا أن أحداً لا يمكنه التغافل عن أن حلقات أساسية منها تطبخ على نار خارجية اقليمية ودولية. اللعبة في العراق أكبر بكثير من لبنان. الولايات المتحدة الأميركية موجودة على الأرض، وما يجري عليها يشكّل جزءاً أساسياً من الأمن القومي الأميركي. هذه الحالة لم يصل ولن يصل إليها لبنان. الاهتمام بلبنان كونه جسراً لا يمكن عدم عبوره في المنطقة، يختلف في أهميته عن العراق الذي يملك ثروتي النفط والماء وتجعله الجغرافيا القلب من جسد منطقة الشرق الأوسط.
الخلافات الأميركية الإيرانية وارتفاع منسوب المزاحمة إلى درجة المواجهة بينهما، تزيد من أهمية العراق وموقعه الحالي والمستقبلي من هذه الحالة. أيضاً خصوصية العلاقات غير الثابتة الخاضعة لرياح المتغيرات بين إيران والسعودية أساساً، حوّلت طبخة الانتخابات إلى مساحة مكشوفة للتنافس. أهمية هذه الحالة وجود رؤيتين متوازيتين ومتناقضتين لمستقبل العراق وموقعه في المنطقة ومع دولها، لذا تبدو هذه الانتخابات مصيرية اقليمياً.
تبقى دمشق في وسط المعمعة. رؤيتها لعروبة العراق ووحدته وتوازن التمثيل لمكوّناته المذهبية والقومية تتقاطع مباشرة مع السعودية، وبشكل أو بآخر مع الولايات المتحدة الأميركية التي يهمها إضعاف الوجود الإيراني في العراق، لأنه يصطدم حالياً مع مصالحها القومية. السؤال: إلى أي مدى ستسمح إيران لدمشق بحرية اللعب على التوازنات؟
أيضاً يجب ألا يغيب عن كل هذه الخريطة موقع تركيا فيها، فهو مهم جداً. كيفية تعامل تركيا مع القوى العراقية من جهة ومع القوى الاقليمية المعنية خصوصاً السعودية وإيران وسوريا مهم جداً. تركيا معنية مباشرة بالدائرة الكردية ونتائجها، لأن فيها جزءاًَ مفصلياً ومصيرياً لأمنها الداخلي. تهدئة الحال الكردية، مصيرية للنظام التركي وللطيب أردوغان رئيس الوزراء. لا يمكن للنظام الحالي في تركيا مواجهة العسكر كما يحصل حالياً، والدائرة الكردية غير مستقرة وهادئة. أي تحريك لهذه الدائرة وتحويلها إلى جبهة مفتوحة يقوي جبهة العسكر ويفك القيود عنهم التي في أقفالها تكمن صياغة جديدة للدستور تضع نقطة نهاية لدور العسكر في جمهورية اتاتورك.
من الطبيعي أن يقول كل طرف إنه سيفوز في الانتخابات وسيصيغ النظام العراقي على قياس طموحاته وبرامجه وعلاقاته الخارجية. لكن كما يبدو حتى الآن فإنّ الفائز مجهول، وكيفية بناء السلطة التنفيذية مجهولة أيضاً لأنها ستكون النتاج المباشر لموازين القوى الداخلية أولاً، وثانياً للتفاهمات والمواجهات بين القوى الخارجية المعنية. التحالفات الداخلية المتداخلة مع التفاهمات الخارجية هي التي ستصيغ السلطة التنفيذية المقبلة في العراق. ليس بالضرورة عقد مؤتمر دوحة ولو على قياس العراق حتى تتبلور المطالب والأحجام. لذلك كله من المهم إجراء قراءة متأنية لخريطة طريق لأبرز القوى والأحزاب المتنافسة وإطلالتها الخارجية.
خريطة القوى العراقية
ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه نوري المالكي ومعه حزب الدعوة وبالتحالف مع زعماء عشائر سنّية وقوى كردية وشيعية ومسيحية. يستند هذا الائتلاف على فورة النتائج التي حصل عليها في انتخابات مجالس المحافظات، وعلاقاته القوية مع إيران ومع الولايات المتحدة. التدهور الأمني منذ الانتخابات الماضية أضعف الائتلاف وهو الذي راهن على قيام دولة القانون والأمن من جهة، وإلى التوتر الحاصل بين المالكي ودمشق والرياض من جهة أخرى. الضعف في ميمنته العربية يكشف ميسرته الإيرانية، ويعرض صدر المالكي الأميركي للضعف والتحوّل نحو قوى أخرى.
الائتلاف العراقية بزعامة اياد العلاوي وطارق الهاشمي، هذه الكتلة تلقت ضربة مع إبعاد صالح المطلك زعيم جبهة الحوار المعروف بدعمه الكامل للمقاومة. إبعاده جرى تحت بند دعمه للبعث. وإحالة هيئة المساءلة والعدالة له إلى المحكمة الجنائية. قوة هذا الائتلاف في شخص اياد العلاوي العلماني داخلياً، وصاحب العلاقات المفتوحة على دمشق والرياض وواشنطن.
الائتلاف الوطني العراقي يضمّ المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بزعامة السيد عمار الحكيم وعادل عبدالمهدي، والتيار الصدري وحزب الفضيلة والمؤتمر الوطني بزعامة أحمد الجلبي. مشكلة هذا الائتلاف ضعف القوى المؤتلفة فرادى ومجتمعة، لذلك لا يتوقع حصوله على نسبة تخوله فرض كلمته في التنافس على رئاسة الوزراء.
ائتلاف وحدة العراق وهو قائم على تحالف أساسي بين جواد البولاني وزير الداخلية الشيعي وأحمد ابو ريشة السنّي.
التحالف الكردي المشكل من الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني. مشكلة التحالف تعرضه للمنافسة مع كتلة التغيير. حصول هذه الكتلة على مقاعد داخل البرلمان سيعني تغييراً جوهرياً في احتكار الحزبين منذ عقود للسلطة في الاقليم، مما سينعكس حكماً على مسار التحالفات في بغداد.
السؤال الكبير: مَن سيكون رئيس الوزراء القادم في العراق؟ الأسماء ليست كثيرة أهمها نوري المالكي، واياد علاوي وجواد البولاني (فلتة الشوط)، أما أحمد الجلبي فإنه سيبقى راسم المسارات الذي لن يكون الشخص الأول في النظام إلا إذا حصل انقلاب حقيقي في موازين القوى والمعادلات، كأن تتفاهم واشنطن مع إيران على اسم رئيس الوزراء.
كل حزب يقول حالياً إنه سيحصل على نسبة تصل إلى ثلاثين في المئة. معنى ذلك انه لن يحصل أي طرف على اغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً. السؤال كيف ستقوم التحالفات بين القوى المتقدمة؟ وما هو دور التفاهمات الخارجية في صياغة هذه التحالفات؟ وما هي درجة الوفاق التي ستقوم عليها الحكومة العراقية المقبلة؟ هل ستكون على القياس اللبناني أم أقل؟ الأكراد هم مَن يملكون الثلث المعطل وتحالفهم مع أي من الكتل هو الذي سيرجح الكفّة. إلى جانب هذا الثلث المعطل فإنّ للموقف الأميركي ثقلاً نوعياً. قد لا تتشكل الحكومة العراقية المقبلة على قاعدة 15+10+5 لكن من الواضح ان صيغة مشابهة بنسب مختلفة ستكون هي النتيجة لـطبخة عراقية تطبخ على نار اقليمية ودولية.
مهما يكن ليس من مصلحة العراقيين أن يقع أي فراغ سياسي لأن مفاعيله ستكون أخطر من مفاعيل الفراغ الأمني. الخوف من التزوير قائم. وقوى عديدة منها العلاوي والمطلك تهدد بالانسحاب من العملية السياسية. عندئد سيتكرر المشهد الايراني بعد الانتخابات الرئاسية في إيران على أرض العراق. المشكلة ان المرشد آية الله علي خامنئي ما زال يضبط الوضع لأنه عمامة النظام، في حين ان العراق لا يملك هذه المرجعية. حتى الأميركيين ووجودهم العسكري لا يملكون المرجعية التي تخولهم التحكم في مسارات مفاعيل الفراغ السياسي. النتيجة سقوط العراق في قلب إعصار عاتٍ قد يجرّ معه المنطقة نحو المجهول.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00