8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

واشنطن تنجح في ضمّ موسكو وبكين لإصدار قرار عقوبات ولو ضعيفة.. وأوروبا لتنفيذ عقوبات إضافية ذات أنياب

الإدارة الأوبامية لا تريد الحرب، ولا تريد أن تسمع بالحرب في منطقة الشرق الأوسط. المعركة حالياً، وحتى نهاية هذا العام على أقل تقدير سياسية ديبلوماسية. طبول الحرب التي تقرعها الأطراف الاقليمية، مجرّد ضغوط متبادلة من جهة، ومن جهة أخرى على العرّاب الخصم أي الولايات المتحدة الأميركية. كل جهود واشنطن منصبّة وستنصبّ على إحراز بعض النقاط في مواجهة إيران وإسرائيل معاً، حتى تتمكن الإدارة الأوباميّة من استثمارها بنجاح في خطة اللعب التي تمتلكها.
لا تعني المواجهة ان طهران وتل أبيب في سلّة واحدة ولو أميركية. واشنطن كانت وستبقى حليفة لإسرائيل. الخلافات معها حالياً جدّية، لكنها لا تعني الافتراق. أمن إسرائيل ما زال جزءاً من أمن الولايات المتحدة الأميركية. من الطبيعي أن تقع الخلافات بين الحلفاء. حدّة هذه الخلافات كانت محصورة في الآليات وليس في الأهداف. المشكلة أنه لأوّل مرّة تتجاوز الخلافات كل الماضي، لتصل إلى حدود الافتراق حول بعض الأهداف. واشنطن أعادت قراءاتها لمسارات منطقة الشرق الأوسط. الواقعية السياسية غيّرت رؤية الإدارة الحاليّة من المنطقة، وبالتالي من أولويّات حلول المشكلات في منطقة غنية بالنزاعات التاريخية.
صعود القاعدة وعنفها الأسود، وحرب أفغانستان، ومن ثم الحرب في العراق، وإدراك الإدارة الأوباميّة بأنّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو مركز الصراعات المولّد لبراكين العنف الأصولي الإسلامي، وبالتالي أن أمن الشرق الأوسط يقع في صلب الأمن القومي الأميركي، كل ذلك غيّر من رؤية واشنطن للأولويات في هذه المنطقة المعقّدة من العالم. الجنرال جيمس جونز مستشار الأمن القومي، بما عُرف عنه من رؤية استراتيجية للقضايا، اختصر الوضع بالتأكيد على معادلة واضحة: استمرار الجهود الديبلوماسية لمنع إيران من امتلاك الأسلحة النووية في مقابل حل الدولتين للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. لا يوجد أوضح من هذه الرسالة في عنوانها ومضمونها.
متابعة واشنطن لجهودها في توحيد العالم ضدّ إيران لإصدار قرار دولي بتشديد العقوبات، مربوط بشكل واضح بالتوصّل إلى حل تقوم الدولة الفلسطينية على أساسه. من الواضح وجود وحدة للمسارين. على إسرائيل أن تختار. حتى الآن لا يبدو ان بنيامين نتنياهو يريد السير في هذا المسار الموحّد والواحد. يريد شلّ إيران بالعقوبات، وفي الوقت نفسه الاستمرار في شلّ الحل للنزاع مع الفلسطينيين. نتنياهو وضع خريطة طريق لنفسه:
[ لا حرب مع سوريا. كل ما يقال عن الحرب هي محاولات إيرانية لإقناع سوريا بأنّ إسرائيل تستعد لشنّ هجوم عليها، وهذا كذب.
[ الفلسطينيون تسلقوا على شجرة عالية وقريباً سينزلون عنها. ما زال نتنياهو يراهن على الاستسلام الفلسطيني أمام تطرّفه.
[ الجمهور الأميركي يدعم إسرائيل، وفي نهاية المطاف يعكس الرئيس الأميركي هذا الدعم على نحو يساعد على التغلّب على الخلافات. من الواضح أنّ نتنياهو يهدّد اوباما بالداخل الأميركي. اقتراب الانتخابات النصفية في قلب هذا التهديد المبطن. نتنياهو لا يريد تغيير مواقفه؛ بالعكس، على أوباما تغيير مواقفه. لأول مرّة سيعيش العالم على وقع معركة عض أصابع بين واشنطن وتل أبيب. اوباما يعتمد على استمرار حاجة إسرائيل للولايات المتحدة الأميركية. نتنياهو بدوره يعتمد على نفوذ اللوبي اليهودي القوي داخل الولايات المتحدة الأميركية. اوباما مدّ المواجهة إلى دوائر جديدة لعل أهمها وأخطرها ربط الأمن القومي الأميركي بالأمن في الشرق الأوسط. الأميركي العادي يدعم بقوّة إسرائيل وفي بعض المجالات لأسباب إيمانية تتعلق بطبيعة الكنيسة الأميركية، لكن أمنه الخاص وأمنه القومي يتقدمان على كل شيء. هذا ثابت كبير لم يتغير ولن يتغير في قلب وعقل أي أميركي من نيويورك إلى كاليفورنيا ومن تكساس إلى كولورادو: أميركا أوّلاً.
الخلاف بين واشنطن وطهران عميقٌ وحتى استراتيجي، وربما هو آخر الخلافات الايديولوجية بعد نهاية الحرب الباردة. لكن واشنطن تحلم وتريد أن تعود طهران إليها. بعد ثلاثين عاماً على الطلاق لا تزال واشنطن تريد استرجاع إيران إلى معسكرها. عودة إيران تريح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط. على الأقل إذا لم يكن ممكناً عودة الحلف القديم بينهما، لتكن العلاقات طبيعية. لهذه الرؤية الأميركية أسباب استراتيجية تبدأ بالنفط وتعمل على التوازنات مع روسيا. انهيار الاتحاد السوفياتي لم ينهِ أحلام موسكو بالتمدّد إلى المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط، فكيف بمياه الخليج الساخنة والغنية! لذلك كله تتبع واشنطن سياسة العصا والجزرة. هذه السياسة ليست أوبامية، كانت أيضاً بوشية. اوباما عمل على تغيير الأولويات فقط فجعل الجزرة أولاً والعصا ثانياً.
كان يمكن لاوباما أن يوجّه الرسالة إلى إيران ونتنياهو بنفسه، لكنه اختار نائبه جوزيف بايدن الصهيوني رغم انه ليس يهودياً لتوجيه الرسالة. بهذا لن يكون هناك أي شك في جدّية المضمون ولا جعله نوعاً من التكتيك. لا حرب ضدّ إيران أولاً. إسرائيل لن تشنّ الحرب بدون موافقة أميركية ثانياً. الجهود كل الجهود للديبلوماسية. النجاح المحدود للديبلوماسية الأميركية في توحيد مجموعة الخمسة زائد واحد يفتح الباب نحو إقرار مشروع لتشديد العقوبات ضدّ إيران. انضمام موسكو وبكين إلى الجهود الأميركية أصبح واضحاً، لكن هذه الوحدة محدودة.
واشنطن قَبِلت كما يبدو بالتعديلات الروسية وخصوصاً الصينية لمشروع القرار بتشديد العقوبات ضدّ إيران. التغييرات التي طرحتها بكين على واشنطن تضعف القرارات. ما تريده واشنطن الوصول إلى إجماع دولي ولو على الحد الأدنى. هذا الإجماع يشكّل رسالة دولية لطهران بأنّ لكل شيء خطاً أحمر لا يجب ولا يمكن تجاوزه. متى استوعبت طهران هذا الوضع تصبح المفاوضات معها منتجة أكثر.
إلى جانب ذلك، فإنّ واشنطن ستترك لأوروبا، خصوصاً باريس منها تطبيق عقوبات لها أنياب. واشنطن لن تخسر، بالعكس ستبقى هي الرابحة الكبيرة. أوروبا خصوصاً فرنسا وبريطانيا منها ستدفعان فاتورة هذا التشدّد في المستقبل. الإيرانيون لن ينسوا هذا الموقف. كل شيء في أوانه. طهران تؤكد منذ الآن انها لن ترضخ، وانّ العقوبات بما فيها حرب البنزين الموعودة ضدّها، مجرّد مزحة. للزمن وحده تحديد الآثار الحقيقية لهذه العقوبات. أكثر من ذلك، طهران تردّد بأنّ الولايات المتحدة الأميركية ليست طليقة اليدين في فرض خياراتها وتهديداتها. أمام الجميع نحو ستة أسابيع أو أكثر لإقرار مشروع العقوبات. بعد ذلك يجب متابعة آليات تنفيذ القرار على الأقل لفترة ستة أشهر، أي حتى نهاية العام 2010.
حرب، لا حرب. أصبحت المسألة تشبه قصّة ابريق الزيت. لعل ما يؤكد ذلك ما نُقل عن مسؤول كبير في المقاومة أمام بعض الكادرات: مَن يقول لكم انّ الحرب واقعة غداً لا تصدّقوه، ومَن يقول لكم ان الحرب لن تقع لا تصدّقوه. البديل استمرار الجاهزية وليس الاستنفار.
أمام لبنان ومنطقة الشرق الأوسط ثمانية أشهر قلقة ومتوترة، حتى ... ساعة الحسم.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00