8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

صعود إيران وتركيا واحتمال عودة مصر خسارة استراتيجية لإسرائيل.. والبديل الحرب ضدّ لبنان

في لبنان، والأرجح في كثير من دول منطقة الشرق الأوسط، حزب عريض، قاعدته تتوسّع يومياً، هو حزب الحرب. لا يجب قراءة هذا الحزب وكأنّ برنامجه الحرب. بالعكس إنّه حزب الخائفين من الحرب. أعضاء هذا الحزب، لا يسألون حالياً: هل ستقع الحرب؟. يشدّدون على سؤال يتيم: متى ستقع؟ هذا الاعتقاد بحتميّة الحرب يكاد يصل إلى درجة اليقين. الخوف الشعبي من الحرب مفهوم، يجب التعامل معه بكثير من الصبر والتفّهم. ويلات الحرب، لا تُنسى في يوم وليلة، ولا حتى بعد ثلاث سنوات. لكن لأنّ العديد من أعضاء هذا الحزب من المثقفين والمتابعين، يصبح سؤالهم عن الحرب ومواعيدها وأهدافها وآثارها موضع بحث ومتابعة يتطلّب الكثير من الجدّية والصبر معاً.
أي زيارة، خصوصاً زيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلى بيروت، أي تصريح وحتى مقال، يصبّ لدى أعضاء هذا الحزب في طاحونة الإعداد للحرب. أبو الغيط لم يأتِ برأيهم إلى بيروت فقط لتسخيف كذبة صواريخ سكود، وللتأشير على ابتعاد القمّة المصرية السورية بعدما كانت على باب قوسين أو أقرب. هذا التصريح ليس إلا ورقة التوت لتغطية الأسباب الحقيقية وهي خطر اندلاع حرب إسرائيلية ضدّ لبنان. حتى تطمينات الرئيس نيكولا ساركوزي لا تُؤخذ كلها كرسالة إيجابية، مطالبة ساركوزي لجميع الأطراف بالتهدئة حمّالة أوجه.
لذلك يشدّد أعضاء الحزب، انّ الحرب مبرمجة. دليلهم إلى ذلك ما نُسب إلى العاهل الأردني الملك عبدالله بأن الحرب الإسرائيلية ضدّ لبنان ستقع في الأيام الأولى من الشهر المقبل. يضيف هؤلاء. لا يعلم بواقع المنطقة أحد أكثر من العاهل الأردني. فلماذا لن تقع الحرب في أول أيار أو آخره ؟لا فرق.
واشنطن تستطيع متابعة مساراتها السياسيّة في منطقة الشرق الأوسط دون عجلة. ما يشجّعها على ذلك انّها موجودة على الأرض وهي ما زالت قوّة احادية لم تدخل في مرحلة المزاحمة الفعلية. مهما وصل جنون البعض فإنّه يعرف انّ واشنطن تقتصد في استخدام قوّتها، وانّها بالفعل قادرة على إرجاع أي دولة في العالم إلى العصر الحجري مع اختلاف بالأثمان. لذلك كلّه يمكن للولايات المتحدة الأميركية أن تستمر في استخدام سياسة العصا والجزرة لسنوات. قد يزعجها أن تصبح إيران مثلاً قوّة اقليمية لها حضورها وكلمتها في الشرق الأوسط وتطوّراته، لكن بالتأكيد لا تخاف من حصول هيمنة إيرانية. بالنهاية طموح إيران هو باعتراف الولايات المتحدة الأميركية بشرعيّة موقعها ودورها، وليس العكس مثلاً.
المشكلة لدى إسرائيل المأزومة كما لم يحصل ذلك منذ العام 1967. إسرائيل صاغت بانتصارها في حرب 1967، نظاماً سمح لها بالاستقرار والتمدّد ودفع الحالة الفلسطينية إلى التآكل. حرب 1982، عمّدت نجاحها. أخرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان. عملياً أسقطت البندقيّة الفلسطينية خياراً وحيداً للمقاومة. أجبرت الرئيس الشهيد ياسر عرفات على التفاوض في أوسلو. يوماً بعد يوم نجحت إسرائيل في لحس كل النقاط الأساسية في اتفاق أوسلو وصولاً إلى الهيمنة الكاملة وإصرارها على القدس الموحّدة عاصمة لإسرائيل وحدها.
هذا البناء الإسرائيلي يتهاوى حالياً. كل التطرّف اليميني الإسرائيلي لم يعد ينفع. كل القوّة الإسرائيلية لم تعد تنفع أيضاً. عندما لا تستطيع إسرائيل فرض استمرارية النظام الذي تشكّل منذ عام 1967 في المنطقة، يعني انها بدأت تخسر. ما يؤكد خسارتها، صعود قوّتين اقليميتين هما: إيران وتركيا. عملياً كل موقع قوّة تأخذه طهران وأنقرة يعني خسارة مباشرة لإسرائيل موقعاً ودوراً. المشكلة انّ مسار تطوّر الأوضاع وتشكّل المعادلات يؤشر إلى استمرار صعود الموقع والدور الإيراني التركي. هذا المسار ما زال في بداياته وليس في نهايته. الأسوأ بالنسبة لإسرائيل، أنّ مصر وهي ترى الصعود الإيراني التركي، لأنّها غيّبت دورها منذ اتفاقات كامب دايفيد، لن تقبل مستقبلاً بأن يصبح غيابها الإرادي تغييباً لها عن شؤون وشجون وتطوّرات المنطقة. مصر جزء أساسي من المنطقة. بدون دورها تصبح جغرافيتها عبئاً عليها وليس نعمة. المعادلة تكاد تصبح واضحة أمام إسرائيل اليمينية المتطرّفة. الجميع يتقدّم وهي تتراجع. أكثر من ذلك، رغم كل قوّتها في الداخل الأميركي فإنّ خطاً أصفر بدأ يرتسم على أرض العلاقات الأميركية الإسرائيلية. لا يبقى أمام إسرائيل من حل سوى الحرب.
الحرب ضد إيران ليست مستحيلة لكنها أكثر من صعبة وهي بعيدة جداً. إسرائيل غير قادرة على مثل هذه الحرب وحدها. كل ما تستطيع أن تفعله، إيقاع أضرار محدودة، وفتح صراع غير محدود. إسرائيل في أي حرب ضد إيران دون مشاركة مباشرة من الولايات المتحدة الأميركية صفر مكعب. أكثر من ذلك، مثل هذه الحرب إذا وقعت دون موافقة أميركية ستحوّل الاختلافات الأميركية الإسرائيلية إلى خلافات عميقة جداً ثمنها مفتوح على كل الأصعدة. مثل هذه الحرب الإسرائيلية ستكون كلفتها عالية ومستقبلها غامضاً.
بدورها، واشنطن لا تريد شنّ حرب على إيران، لأنّها ما زالت تأمل لا بل تتوقع التوصّل إلى حلول سياسية. تجارب عديدة في افغانستان والعراق أقنعت واشنطن ان النظام الإيراني قادر عندما يريد، التعامل على الأرض بواقعية إذا ما رأى ضرورة لذلك، والأهم انّه يلتزم فعلاً بما يتم الاتفاق عليه. أيضاً انّ واشنطن غير مستعدّة في أي لحظة من اللحظات قذف إيران إلى أحضان موسكو وإقامة حلف الحاجة والضرورة. موسكو ستحقق ما لم يحلم به حتى القياصرة فكيف بالشيوعيين، وهو التمدّد السياسي إلى قلب مياه الخليج الساخنة.
الحرب ضدّ غزّة مكلفة معنوياً على الصعيد الدولي. رؤية هذا الجيب المعزول والمحدود القوّة والمكتظ سكانياً وهو يُقصف بلا رحمة، أثار العالم. يكفي أنّ مثل هذه الجرائم لم تعد تمر دولياً. المسؤولون في إسرائيل يخافون التنقل في العالم كما كانوا يفعلون بحرّية. مساءلتهم أصبحت كابوساً لدى العديد منهم.
يبقى لبنان. المقاومة لا تعني الغرب. واشنطن وأوروبا تتفقان على رفض حزب الله. بعضهم يضعه في خانة الإرهاب، مما يجعله هدفاً شرعياً للهجوم. إسرائيل تريد تغيير المعادلة استراتيجياً. طالما انّ الحرب غير ممكنة ضدّ إيران، وغير مقبولة ضدّ غزة، فلتكن ضدّ حزب الله في لبنان الذي مع دمشق وطهران كسر القرار 1701 وتسلح بأكثر من أربعين ألف صاروخ، بصرف النظر عن نوعيتها. مشكلة إسرائيل انها لن تستطيع اقتلاع حزب الله كما اقتلعت المقاومة الفلسطينية. لذلك ستعمل على تجفيف المياه التي يسبح فيها، أي جماهيره الشيعية تحديداً. كيف؟ بالتهجير القسري تحت القصف الذي يحرق الأخضر واليابس. لا بأس أيضاً من زرع بذور الحرب الاهلية، حتى ولو طالت الحرب والخسائر.
امكانات إسرائيل في حرب محدودة ضدّ لبنان كبيرة جداً. لكن مَن يضمن عدم تحوّلها إلى حرب اقليمية؟ خسارة حزب الله خسارة مباشرة لإيران وسوريا معاً. هذه الخسارة تكشف ظهر دمشق وصدر إيران في وقت واحد، كما تسحب منهما سلاحاً يتعلق بمركز الصراعات وهو مع إسرائيل. سؤال أخير: واشنطن قد ترحّب بالحرب الاقليمية لأنّ الحل الكسينجري يمكّنها من ليّ أيدي الجميع بما فيهم إسرائيل ودفعهم إلى المفاوضات.
الأهم انه وسط بحر التطرّف اليميني الإسرائيلي بدأت تخرج أصوات تقول بصوت عال: إلى أين؟ (يديعوت أحرونوت عوفر نيمان وآساف أرورون). هل كتب علينا العيش على حد السيف؟ لماذا يجب أن يعم الشعب الإسرائيلي الثكل والهلع الوجودي فيما يعيش اليهود في كثير من الأماكن في العالم حياة ازدهار ورفاهية واستقرار؟ على شعب إسرائيل أن يقرر في نهاية المطاف ما إذا كان يفضّل أرضاً من دون سلام.. أم يفضّل حياة الناس؟ وحده خيار حياة الناس يبرّر العيش في هذه البلاد وليس وراء البحار.
إنه خيار لهم ولنا، فهل يحصل التحوّل ويتآكل التطرّف في إسرائيل وحزب الحرب عندنا بحكم التغيير؟
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00